للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهر مقيماً ببرج مليح مطبق له شباكان، أحدهما إلى جهة البحر يدخل إليه من شاء ويتردد الأكابر والأعيان والفقهاء يقرؤون عليه ويبحثون معه ويستفيدون منه وأرسل صاحب سبتة إلى الشيخ يطلب منه الإجازة.

فلما دخل السلطان الملك الناصر إلى مصر بعد خروجه من الكرك وقدومه إلى دمشق وتوجه منها إلى مصر سنة تسع وسبعمائة بادر لإحضار الشيخ من الإسكندرية في اليوم الثامن من شوال، فخرج الشيخ منها متوجهاً إلى مصر ومعه خلق من أهلها يودعونه ويسألون الله أن يرده إليهم، وكان وقتاً مشهوداً، ووصل إلى القاهرة ثامن عشر الشهر، واجتمع بالسلطان في يوم الجمعة الرابع والعشرين منه، وأكرمه وتلقاه في مجلس حفل حضر فيه قضاة مصر والشام والفقهاء وأصلح بينه وبينهم.

قال الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة: أخبرني بعض أصحابنا، قال: أخبرني القاضي جمال الدين ابن القلانسي قاضي العساكر المنصورة ذات ليلة- وقد أشاع الجهلة والمبغضون بأخبار مختلفة- فقلت له: إن الناس يقولون كيت وكيت، وإن الشيخ ربما يخرج من القلعة ويدعى عليه ويعزر ويطاف به، فقال الشيخ: يا فلان هذا لا يقع، ولا يسمح السلطان بشيء من ذلك، وهو أعلم بالشيخ وبعلمه ودينه، ثم قال: أخبرك بشيء عجيب وقع من السلطان في حق الشيخ؛ وهو أنه حين توجه السلطان إلى الديار المصرية ومعه القضاة والأعيان ونائب الشام الأفرم، فلما دخل الديار المصرية وعاد إلى مملكته وهرب سلار والجاشنكير واستقر أمر السلطان، جلس يوماً في دست السلطنة وأبهة الملك وأعيان الأمراء من الشاميين والمصريين حضور عنده، وقضاة مصر عن يمينه وقضاة الشام عن يساره، وذكر لي كيفية جلوسهم منه بحسب منازلهم، قال: ومن جملة من هناك ابن صصري عن يسار السلطان، وتحته الصدر علي قاضي الحنفية، ثم بعده الخطيب جمال الدين، ثم بعده ابن الزملكاني، قال وأنا إلى جانب ابن الزملكاني، والناس جلوس خلفه، والسلطان على مقعد مرتفع، فبينما الناس كذلك جلوس انتهض السلطان قائما، فقام الناس، ثم مشى السلطان فنزل عن تلك المقعدة ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>