للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدرى ما به، وإذا بالشيخ تقي الدين مقبل من الباب والسلطان قاصد إليه، فنزل السلطان عن الإيوان والناس قيام والقضاة والأمراء والدولة، فتسالم هو والسلطان إلى ضفة في ذلك المكان فيها شباك إلى بستان فجلسا فيها حيناً ثم أقبلا ويد الشيخ في يد السلطان، فقام الناس وكان قد جاء في غيبة السلطان الوزير فخر الدين بن الخليس فجلس عن يسار السلطان فوق ابن صصري، وقعد السلطان على مقعده متربعاً، وشرع يثني على الشيخ عند الأمراء ثناء ما سمعته من غيره قط، وقال كلاماً كثيراً والناس يقولون معه ومثله الأمراء والقضاة، وكان وقتاً عجيباً وذلك مما يسوء كثيراً من الحاضرين من أبناء جنسه، وقال في الشيخ من الثناء والمبالغة ما لا يقدر أحد من أخص أصحابه يقوله، ثم إن الوزير أنهى إلى السلطان أن أهل الذمة قد بذلوا للدولة في كل سنة سبعمائة ألف درهم زيادة على الجالية إلى أن يعودوا إلى لبس العمائم البيض، وأن يعفوا من هذه العمائم المصبوغة التي ألزمهم بها ركن الدين الجاشنكير، فقال السلطان للقضاة ومن هناك ما تقولون؟ فسكت الناس، فلما رآهم الشيخ تقي الدين سكتوا جثا على ركبتيه وشرع يتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ، ويرد ما عرضه الوزير رداً عنيفاً، والسلطان يسكته برفق وتوقير، وبالغ الشيخ في الكلام، وقال ما لا يستطيع أحد أن يقول مثله ولا بقريب منه حتى رجع السلطان عن ذلك وألزمهم بما هم عليه واستمروا على هذه الصفة، فهذا من حسنات الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله.

قال: وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر أن السلطان- لما جلسنا بالشباك- أخرج فتاوى لبعض الحاضرين في قتله واستفتاني في قتل بعضهم، قال ففهمت مقصوده وأن عنده حنقاً شديداً عليهم لما خلعوه وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد في دولتك مثلهم، وأما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي وسكنت ما عنده عليهم، قال: فكان القاضي زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك: ما رأينا أعفى من ابن تيمية، لم نبق ممكنا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>