ثم إن الشيخ بعد اجتماعه بالسلطان نزل إلى القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الحسين، قال الذهبي: ولم يكن الشيخ من رجال الدول، ولا يسلك معهم تلك النواميس، فلم يعد السلطان يجتمع به، وعاد إلى بث العلم ونشره، والخلق يشتغلون عليه، ويقرؤون ويستفتونه ويجيبهم بالكلام والكتابة والأمراء والأكابر والناس يترددون إليه، وفيهم من يعتذر إليه مما وقع، فقال: قد جعلت الكل في حل مما جرى، ولم يزل الشيخ مستمرا على عادته من نفع الناس وموعظتهم والاجتهاد في سبيل الخير.
فلما كان في شهر رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة اتفق أن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه، قال الشيخ علم الدين: ظفر به بعض المبغضين له في مكان خال وأساؤوا عليه الأدب، وحضر جماعة كثيرة مت الجند وغيرهم إلى الشيخ بعد ذلك لأجل الانتصار له فلم يجب إلى ذلك، قال بعض أصحابنا جئت إلى مصر فوجدت خلقاً كثيراً من الحسنية وغيرهم رجالاً وفرساناً يسألوه عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب الممالك على البحر، واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس، وقال له بعضهم: يا سيدي قد جاء خلق من الحسنية لو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا، فقال لهم الشيخ لأي شيء؟ قالوا لأجلك، فقال الشيخ: هذا لا يجوز. قالوا: فنحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس، فقال لهم: هذا ما يحل، قالوا: فهذا الذي فعلوه معك يحل؟ هذا شيء لا نصبر عليه، ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا. والشيخ ينهاهم ويزجرهم، فلما أكثروا في القول قال لهم: إما أن يكون الحق لي فهم في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كما يشاء إن شاء.
وأقام الشيخ بعد هذا مدة في الديار المصرية، ثم إنه توجه إلى الشام صحبة الجيش المصري قاصداً الغزاة، فلما وصل معهم إلى عسقلان توجه إلى بيت المقدس، وتوجه منه إلى دمشق، وجعل طريقه على عجلون، ووصل دمشق أول