للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة، كما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" والسفر إلى المسجدين طاعة فلهذا وجب الوفاء به.

وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليه إذا نذره، حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء، لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء تستحب زيارته لمن كان في المدينة، لأن ذلك ليس بشد رحل، كما في الحديث الصحيح: "من تطهر في بيته ثم أتى إلى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة".

قالوا: ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يعملها أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعله فهو مخالف للسنة وإجماع الأمة، وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في "الإبانة الصغرى" من البدع المخالفة للسنة والإجماع، وبهذا يظهر ضعف حجة أبي محمد لأن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء لم تكن بشد رحل، وهو يسلم لهم أن السفر إليه لا يجب بالنذر.

وقوله:" لا تشد الرحال ... إلخ" محمول على نفي الاستحباب، عنه جوابان:

أحدهما: أن هذا تسليم منه أن هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قربة ولا طاعة ولا هو من الحسنات فإذا من اعتقد أن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع، وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة كان ذلك محرماً بإجماع المسلمين، فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة، ومعلوم أن أحداً لا يسافر إليها إلا لذلك، وأما إذا نذر الرجل أن يسافر إليها لغرض مباح فهذا جائز، وليس من هذا الباب.

الوجه الثاني: أن الحديث يقتضي النهي والنهي يقتضي التحريم، وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>