وكان لنا بحراً من العلم زاخراً ... فما باله لم يصف مذ غاب ورده
وما مات من تبقى التصانيف بعده ... مخلدة والعلم والفضل ولده
وخلف آثاراً حساناً حميدة ... إذا عددت زادت على ما تعده
ولست مطيقاً شرح ذاك مفصلاً ... ولكن على الإجمال يعكس طرده
لقد فارق الأصحاب منه مصاحباً ... يراعي وداد الخل إن خان وده
قضى نحبه والله راض بفعله ... ولله فيما قد قضى فيه حمده
يدل تراب القبر من جاء زائراً ... إليه بطيب فيه يعبق نده
ولا تحسبوا ما فاح عطر حنوطه ... ولكنه حسن الثناء ومجده
وكان لأهل العلم تاجاً مكللاً ... يحوطهم من مبطل خيف حقده
وما كان إلا التبر عند امتحانه ... يبين لعين الحاذق النقد نقده
وكان يقول الحق والحق حلوه ... مرير لهذا كان يكره رده
وفي الحق لم تأخذه لومة لائم ... ولا خاف من غمر تشدد حرده
وما كان إلا السيف غارت يد العلا ... عليه فردته كما غار غمده
ولم تلهه الدنيا وزخرفها الذي ... يروق لمن لم يونس الدهر رشده
لقد فقدت منه المحافل زينها ... ولما يفارق علمه الجم وجده
وخضبت الأقلام بعد مدادها ... عليه دماً قد فاض في الطرس مده
فلله ما ضم الثرى من محقق ... ويا لك من عضب تدقق حده
وكان إماماً يستضاء بنوره ... وبحراً من الأفضال قد غيض عده
وكنت أرجي أن أراه ونلتقي ... ولكن قضاء الله من ذا يرده
ترى الموت مألوف الطباع وربما ... يعلل بالمألوف من لا يوده
فآه على تفريق شمل مجمع ... وحر فؤاد لا يؤمل برده
ألا إنها نفس وللنفس حسرة ... وقلب وقد يشجى ويضنيه وجده
ولست بناس عهد خل تغيبت ... محاسنه والخل يحفظ عهده
وما عذر جفن لا يجيش بدمعه ... غداة نأى عنه الصدّيق ورفده
يروم الأماني والمنايا تصده ...
وما حيلة الراجي إذا خاب قصده