للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالاً فماتوا وهم يأكلون الحرام، فبهتوا وانقطعت حجتهم.

قال ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان، قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر، فقال لي: يا بني؛ لا تنشد الشعر، فقلت له؛ يا أبه كان الحسن ينشد، وكان ابن سيرين ينشد، فقال لي أبي: إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله.

وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة، وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ اتباعهم فيها، كما قال الله سبحانه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ١.

قال مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

قال سليمان التيمي: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ٢.

قال ابن عبد البر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً ٣.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله، فروى كثير بن عبد الله بن عمرو عن عوف المزني عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة"، قالوا: مما هي يا رسول الله؟ قال: "أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم الجائر، ومن هوى متّبع" ٤.


١ سورة النساء: الآية ٥٩.
٢ أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (٢/٩٢٧/ ١٧٦٦، ١٧٦٧) .
٣ المصدر السابق.
٤ أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٧/ رقم: ١٧) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم) ، (٢/ ٩٧٨/١٨٦٥) بإسناد ضعيف.
انظر: "مجمع الزوائد" (١/ ٧٨٧ و٥/ ٢٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>