وإبانة ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى، ولا منافاة أن الله سبحانه بين القسمين لمن شرح الله صدره، وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين: رجل جاهل بمقاديرهم ومعاذيرهم، أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام.
قال: وهذا المقصود يتلخص بوجوه:
أحدها: أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة- وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا- قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين.
واعتبر ذلك بمناظرة الإمام عبد الله بن المبارك، قال: كنا في الكوفة فناظروني في ذلك- يعني النبيذ المختلف فيه- فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة، فإن لم يبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه. فاحتجوا، فما جاءوا عن أحد برخصة إلا جئناهم عنه بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس الاحتجاج عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنما يصح عنه أنه لم ينبذ له في الجر الأخضر.
قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق! عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالساً لقال هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تجبن أو تخشى.
فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن؛ فالنخعي والشعبي- وسمى عدة معهما-كانوا يشربون الحرام.
فقلت لهم: دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا، وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟
قالوا: كانوا خياراً. قلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: حرام.