يعتقد أن الأئمة المجوزين لها أفضل من غيرهم، وقد ترجح عنده متابعة مذهبهم إما على سبيل الألف والاعتياد أو على طريق النظر والاجتهاد، وهب هذا الاعتقاد باطلا ألستم تعرفون فضل هؤلاء الأئمة ومكانهم من العلم والفقه والتقوى وكون بعضهم أرجح من غيره أو مساوياً له أو قريباً منه؟
فإذا قلد العامي أو المتفقه واحدا منهم- أما على القول بأن العامي لا يجب عليه الاجتهاد في أعين المفتين، أو على القول بوجوبه إذا ترجح عنده أن من يقلده فيها هو الأفضل، لاسيما إن كان فيها هو المذهب الذي التزمه- فلا وجه للإنكار عليه، إلا أن يقال إن المسألة قطعية لا يسوغ فيها الاجتهاد، وهذا إن قيل كان فيه طعن على الأئمة بمخالفة القواطع، وهذا قدح في إمامتهم، وحاش لله أن يقولوا ما يتضمن مثل هذا، ثم قد يفضي ذلك إلى المقابلة بمثله أو بأكثر منه، لاسيما ممن يحمله هوى دينه أو دنياه على ما هو أبلغ من ذلك، وفي ذلك خروج عن الاعتصام بحبل الله سبحانه، وركوب التفرق المنهي عنه وإفساد ذات البين، وحينئذ فتصير مسائل الفقه من باب الأهواء وهذا غير سائغ، وقد علمتم أن السلف كانوا يختلفون في المسائل الفرعية مع بقاء الإلفة والعصمة وصلاح ذات البين.
فأجاب الشيخ رضي الله عنه عن ذلك بقوله: قلنا: نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم، أو محادّتهم وترك محبتهم وموالاتهم، ونرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال: لكن دين الإسلام إنما يتم بأمرين:
أحدهما: معرفة فضل الأئمة وحقوقهم ومقاديرهم وترك كل ما يجر إلى ثلبهم.
والثاني: النصيحة لله سبحانه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم،