ومن هو على شاكلته من أهل الدنيا مغمورون بالجهل والإعراض عن الآخرة، ومع ذلك تكلموا بما تكلموا، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، ومثل هؤلاء ليسوا من فرسان هذا الميدان، وكلامهم في هذا الباب فضول من القول لا ينبغي أن يصغى إليه، والله ولي التوفيق، ومنه العصمة من الزلل.
وربما اعترض معترض وعارض الكلام السابق بأن الشيخ تقي الدين رضي الله عنه وغيره من الأئمة اعترضوا على أقوال غيرهم من الأكابر وضللوا قائليها، وقد حوا فيهم بما هو معلوم لمن طالع كتب الخف والجدل، فهلا يقال لهم مثل تلك الموعظة التي ذكرها الشيخ مرعي في آخر مناقبه وإلا فما الفرق؟
فالجواب عن هذا الاعتراض: أن ما قاله خصماء الشيخ تقي الدين منبعث عن محض هوى لم تقتضه مناظرة ولم يبعث عليه دليل، ولاسيما ما ذكره السبكي وولده، وابن حجر المكي، وأتباعهم ومقلدوهم، فكل أحد يعلم أن ما نسبوه إليه افتراء، وما قدحوه به مجرد شتم للشيخ تقي الدين استوجبه إبطال الشيخ لما تهواه نفوس هؤلاء من البدع والأهواء، والشيخ تقي الدين رضي الله تعالى عنه كان بحثه واعتراضه بما يقتضيه الدليل، ومقصوده إظهار الحقائق الدينية، لم يكن من مقاصده المكابرة والمجازفة، كما هو شأن أئمة أهل العلم الربانيين مثل الأئمة الأربعة وأصحابهم وما جرى بينهم من المناظرات والمخالفات.
وقد رأيت نحو هذا الاعتراض والجواب في كتاب "بيان الدليل على بطلان التحليل" من مصنفات الشيخ قدس الله روحه، حيث تكلم على إبطال الحيل بكلام مفصل، ثم ذكر سؤالاً وجواباً يتعلق بذلك ونصه:
"فإن قيل: هذه الحيل مما اختلف فيها العلماء، فإذا قلد الإنسان من يفتي بها فله ذلك، والإنكار في مسائل الخلاف غير سائغ، لاسيما على من كان متقيداً بمذهب من يرخص فيها، أو قد تفقه فيها ورأى الدليل يقتضي جوازها، وقد شاع العمل بها عن جماعات من الفقهاء، والقول بها معزو إلى مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وما قاله مثل هؤلاء الأئمة لا ينبغي الإنكار البليغ فيه، لاسيما على من