فإذا كنا قد حذرنا زلة العالم، وقيل لنا إنها من أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أن لا نرجع عنه؛ فالواجب على من شرح الله صدره إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلدها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها، وإلا توقف في قبولها، فما أكثر ما يحكى عن الأئمة مما لا حقيقة له؟
وكثير من المسائل خرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة، مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما التزمها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، ومن علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين لقطع بتحريمها من لم يقطع به أولا" انتهى ١.
ثم ذكر رحمه الله تعالى جواباً ثانياً، وثالثاً، ورابعاً، وخامساً، عن ذلك السؤال وأطنب في كلامه.
والمقصود منه؛ أن يعلم من تكلم الشيخ فيه وكلامه ليس من جنس كلام الغلاة- عاملهم الله بعدله- فيه، وهم إنما تكلموا زورا وبهتانا واتباعاً لهواهم، وشأن أتباع الرسل والعلماء العاملين أن يرضوا الله ويغضبوا لله، وأن يتبعوا الكتاب والسنة، وأن يقبلوا ما وافقهما ويتركوا ما خالفهما، وبذلك تتحقق محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبخلاف ما هنالك تكون العدواة.
وما أحسن ما قال شيخ الإسلام رحمه الله في "تفسير سورة الكوثر" وهو تفسير جليل:- "سورة الكوثر ما أجلها من سورة، وأغزر فوائدها على اختصارها وحقيقة معناها تعلمها من آخرها، فإنه سبحانه يبتر شانىء رسوله من كل خير، فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده، ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان