ينبغي أن يكون من الكتاب والسنة وإجماع المجتهدين والفقهاء.
وأما أن المستغيثين قد نالوا مقصدهم ممن استغاثوا به من الأموات -كالأنبياء والأصفياء والأولياء- فمثل ذلك لا يدل أيضاً على مشروعية الاستغاثة كما ذكره الشيخ، فإن الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء لا يحصيها على الحقيقة إلا هو، أما أعيانها فبلا ريب، وكذلك أنواعها أيضاً لا يضبطها المخلوق لسعة ملكوت الله سبحانه وتعالى، ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم السلام أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم، وينهون عما فيه فسادهم، ولا يشغلونهم في الكلام بأسباب الكائنات كما يفعل المتفلسفة، فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر.
ومثال النبي مثال طبيب دخل على مريض فرأى مرضه فعلمه، فقال له اشرب كذا واجتنب كذا، ففعل ذلك فحصل غرضه من الشفاء، والمتفلسف قد يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض وصفته وذمه وذم ما أوجبه، ولو قال له المريض فما الذي يشفيني منه لم يكن له بذلك علم تام، والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه، بحيث يختطف عقله فيتألهه إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين، ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال فلا منفعة فيه، أو أنه وإن أثر فضرره أكثر من نفعه.
ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب، لصدق توجهه إلى الله تعالى، وإن كان تحرى الدعاء عند الوثن شركاً، ولو كان قد استجيب له على يد المتوسل به صاحب القبر أو غيره لاستغاثته فإنه يعاقب على ذلك ويهوى به في النار إذا لم يعف الله عنه، كما لو طلب من الله عز وجل ما يكون فتنة له، كما أن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة المال ونهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد مرة فلم ينته حتى دعا له كان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة، فكم من عبد دعا دعاء غير مباح فقضيت حاجته في ذلك الدعاء، وكان سبب هلاكه في