للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا والآخرة، تارة بأن يسأله ما لا يصلح له مسألته كما فعل بلعام بن باعورا وثعلبة وخلق كثير دعوا بأشياء فحصلت لهم وكان فيها هلاكهم، وتارة بأن يسأل على الوجه الذي لا يحبه الله كما قال سبحانه وتعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ١ فهو سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين في صفة الدعاء ولا في السؤال، ولكن حاجتهم قد تقضى، كأقوام ناجوا الله تعالى في دعواتهم بمناجاة بها جراءة على الله واعتداء لحدوده، وأعطوا طلبتهم فتنة، ولما يشاء الله سبحانه وتعالى بل أشد من ذلك، ألست ترى السحر والطلسمات والعين وغير ذلك من المؤثرات في العالم بإذن الله قد يقضى بها كثير من أغراض النفوس، ومع هذا فقد قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ٢ فإنهم معترفون بأنه لا ينفع في الآخرة، وأن صاحبه خاسر في الآخرة، وإنما يتشبثون بمنفعته في الدنيا لا غير، وقد قال تبارك وتعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} .

وكذلك أنواع من الداعين السائلين قد يدعون دعاء محرماً يحصل معه ذلك الغرض ويورثهم ضرراً أعظم منه، وقد يكون الدعاء مكروهاً ويستجاب له أيضاً.

ثم هذا التحريم والكراهة قد يعلمه الداعي وقد لا يعلمه على وجه يعذر فيه، بأن يكون فيه مجتهداً أو مقلداً، كالمجتهد والمقلد اللذين يعذران في سائر الأعمال المعذور فيها، وغيره قد يتجاوز عنه في ذلك الدعاء لكثرة حسناته وصدق قصده، أو لمحض رحمة الله عز وجل به أو نحو ذلك من الأسباب، لكن الذي يستغيث بغير الله تعالى ويدعوه فهو مشرك، وإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن كان جاهلاً بهذا الحكم فيرجى له من الله العفو.


١ سورة الأعراف: ٥٥.
٢ سورة البقرة: ١٠٢- ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>