للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأخرى أن تقاتل التي تبغي فإنه لم يكن أمر بقتال أحدهما ابتداء، ثم أمر إذا فاءت إحداهما بالإصلاح بينهما بالعدل، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} فدل القرآن على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي، وأنه يأمر بقتال الباغية، حيث أمر الله به١.

وأما المشكلة الثالثة وهي قولهم إن علياً محا عن نفسه أمير المؤمنين فقد رد عليهم ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بأنه ليس في هذا شيء يؤخذ على "عليّ" إذ أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أفضل من "علي" محا عن نفسه صفة الرسالة التي هي منزلة أفضل من منزلة إمرة المؤمنين وذلك حين قال لعلي: في صلح الحديبية: "اكتب لهم كتاباً" فكتب علي: "هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله" فقال المشركون: والله لو نعلم انك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك لتعلم أني رسول الله، امح يا علي واكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله"، فوالله لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه.

بهذه الحجة الواضحة القوية استطاع ابن عباس٢ أن يرد طائفة كبيرة


١ـ مجموع الفتاوى ١٩/٨٩-٩٠.
٢ـ وقد عزا بعض أهل العلم هذه المناظرة مع الخوارج إلى علي نفسه. انظر الفرق بين الفرق ص/٧٨-٧٩، البداية والنهاية ٧/٣٠٥، ولعل علياً رضي الله عنه هو الذي قرر أصول هذه الأجوبة أولاً، ثم أرسل ابن عباس بها ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن شداد هل أنت صادقي عما أسألك عنه تحدثني عن هؤلاء القوم الذي قتلهم علي رضي الله عنه. قال: وما لي لا أصدقك، قالت: تحدثني عن قصتهم، قال: فإن علياً رضي الله عنه لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، وأنهم عتبوا عليه، فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله تعالى "اسم سماك الله تعالى به" ثم انطلقت فحكمت في دين الله فلا حكم إلا لله تعالى، فلما أن بلغ علياً رضي الله عنه ما عتبوا عليه وفارقوه عليه فأمر مؤذناً فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده، ويقول: أيها =

<<  <  ج: ص:  >  >>