للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك منّ من الله ـ تعالى ـ منّ به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك منّ من الله ـ جل ذكره ـ منّ به عليّ. وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع١ الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله ـ عز وجل ـ قبل أن أراه"٢. وفي هذا بيان فضل عظيم لعمر رضي الله عنه يؤخذ من قول ابن عباس: لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن له بهذا فضلاً عظيماً حيث إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفارقه وهو عنه راض وكذلك كان مع أبي بكر وبقية الصحابة جميعاً ومع ما كان عليه من هذه السيرة الحسنة فإنه رضي الله عنه لحق بالرفيق الأعلى والخوف غالب عليه من خشية التقصير في حقوق الرعية وهكذا المؤمن كامل الإيمان يجمع بين الخوف والإحسان.

وروى الشيخان من حديث ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه٣ الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم قال: فلم يرعني٤ إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وذاك أني كنت أكثر ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جئت أنا وأبو بكر وعمر


١ـ طلاع الأرض: أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسبل "النهاية في غريب الحديث" ٣/١٣٣.
٢ـ صحيح البخاري ٢/٢٩٥-٢٩٦.
٣ـ فتكنفه الناس: أي أحاطوا به من جانبيه "انظر النهاية في غريب الحديث والأثر" ٤/٢٠٥.
٤ـ فلم يرعني: أي: لم يفزعني والمراد أنه رآه يغتة "فتح الباري" ٧/٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>