للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتم فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله ـ عز وجل ـ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآية إلى آخرها١.

وهذا السبب وإن كان خاصاً فالعبرة فيه بعموم اللفظ فهي في جميع الصحابة الذين اتصفوا بالصفات المذكورة التي هي: الإيمان والهجرة والجهاد وقد تميزوا رضي الله عنهم بسعادة الدارين وقد أكد ـ سبحانه ـ فوزهم بقوله ـ جل وعلا ـ {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} والبشارة الخبر السار الذي يفرح الإنسان عند سماعه وتستنير بشرة وجهه والخبر الذي بشرهم به هو قوله: {بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ} وهذا من أعظم البشارات وأعلاها.

٥- قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ٢. وهذه الآية فيها الثناء على المهاجرين الذين فارقوا قومهم وديارهم، وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم إلى آخرين غيرهم، وكانت هجرتهم بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكاره في ذات الله ظلماً وعدواناً، ثم وعدهم الله بأن يسكنهم في الدنيا مسكناً صالحاً يرضونه مع ما ينتظرهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في دار النعيم.

روى ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون وقال قتادة رحمه الله تعالى: "هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق بهم طوائف منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار


١ـ صحيح مسلم ٤/١٤٩٩، وأحمد في المسند ٤/٢٦٩.
٢ـ سورة النحل آية/٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>