للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الأول: أن لعنة الله في الدنيا والآخرة لا تستوجب بمجرد القذف أن اللام في قوله: {الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} لتعريف المعهود والمعهود هنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأن الكلام في قصة الإفك ووقوع من وقع في أم المؤمنين عائشة ـ أو قصر اللفظ العام على سببه للدليل الذي يوجب ذلك.

الوجه الثاني: أن الله ـ سبحانه ـ رتب هذا الوعيد على قذف محصنات غافلات مؤمنات، وقال في أول ـ سورة النور ـ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ١ الآية، فترتب الجلد وردّ الشهادة والفسق على مجرد قذف المحصنات، فلا بد أن تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهن مزية على مجرد المحصنات وذلك ـ والله أعلم ـ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مشهود لهن بالإيمان لأنهن أمهات المؤمنين وهن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة وعوام المسلمات إنما يعلم منهن في الغالب ظاهر الإيمان ولأن الله سبحانه قال في قصة عائشة: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٢ فتخصيصه بتولي كبره دون غيره دليل على اختصاص بالعذاب العظيم وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٣ فعلم أن العذاب العظيم لا يمس كل من قذف وإنما يمس متولي كبره فقط وقال هنا {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فعلم أنه الذي رمى أمهات المؤمنين ويعيب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى كبر الإفك وهذه صفة المنافق ابن أبي.

الوجه الثالث: لما كان رمي أمهات المؤمنين أذى للنبي صلى الله عليه وسلم لعن صاحبه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ابن عباس: "ليس فيها توبة، لأن مؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته إذا تاب من القذف حتى يسلم إسلاماً جديداً وعلى هذا فرميهن


١ـ الآية رقم: ٤.
٢ـ سورة النور آية: ١١.
٣ـ سورة النور آية ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>