للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبوؤوا الدار من قبلهم، وهم الأنصار في صدروهم حاجة يعني حسداً مما أوتوا يعني مما أوتي المهاجرون من الفيء وذلك لما ذكر لنا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا رجلين١. من الأنصار أعطاهما لفقرهما، وإنما فعل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ... وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثاراً لهم بها على أنفسهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم".٢.

وقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه سبب نزول لقوله تعالى في الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فقد روى بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يضم ـ أو يضيف ـ هذا؟ " فقال رجل٣ من الأنصار: أنا فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك وأصحبي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضحك الله الليلة ـ أو عجب ـ من فعالكما" فأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٤.

قال العلامة ابن جرير مبيناً معنى قوله تعالى في ختام الآية السابقة {وَمَنْ


١ـ الرجلان هما: سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة. جامع البيان ٢٨/٤١.
٢ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٨/٤٠-٤٢.
٣ـ هذا الرجل هو أبو طلحة كما في صحيح مسلم ٣/١٦٢٥، وانظر فتح الباري ٧/١٢.
٤ـ صحيح البخاري ٣/١٩٩، وانظر جامع البيان ٢٨/٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>