للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام١، فخرج إلى المدينة فاجتمع الناس فجعل يسلك تلك الطرق، فقال له عثمان: "لو اعتزلت" معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس، فإن للخلطة شروطاً وللعزلة مثلها٢ ومن كان على طريقة أبي ذر فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه، أو يخالط ويسلم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة، فخرج إلى الربذة زاهداً فاضلاً وترك جلة فضلاء وكل على خير وبركة وفضل وحال أبي ذر أفضل ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا فسبحان مرتب المنازل"٣.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في صدد رده على طعن الرافضة على عثمان بقصة أبي ذر، قال: "فالجواب أن أبا ذر سكن الربذة ومات بها لسبب ما كان يقع بينه وبين الناس، فإن أبا ذر كان رجلاً صالحاً زاهداً، وكان مذهبه أن الزهد واجب وأن ما أمسكه الإنسان فاضلاً عن حاجته فهو كنز يكوى به في النار، واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ٤، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة واحتج بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه قال: يا أبا ذر ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً يمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين وأنه قال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا"٥.

ولما توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالاً جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب عليه وعثمان يناظره في ذلك حتى دخل كعب٦ ووافق عثمان فضربه


١ـ انظر تاريخ الطبري ٤/٢٨٣.
٢ـ لقد أحسن القول فيها أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة فليرجع إليه.
٣ـ العواصم من القواصم ص/٧٣-٧٥.
٤ـ سورة التوبة آية/٣٤.
٥ـ انظر لفظ الحديث في صحيح البخاري ٣/٥٦، صحيح مسلم ٢/٦٨٧-٦٨٨.
٦ـ هو كعب الأحبار كما في تاريخ الطبري ٤/٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>