ولا يدل هذا الحوار على أن عثمان رضي الله عنه كان متردداً في الخلع وعدمه حتى أيده ابن عمر رضي الله عنهما لأن وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له صريحة في عدم الخلع، إلا أن يكون قد نسيها ثم تذكرها بعد، والذي يبدو من عبارته رضي الله عنه التي عبر بها عن رأيه في عدم الخلع أنه متذكر للوصية حيث استخدم معانيها.
وهذا الموقف الذي أملته وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف حكيم، فإن الاستجابة لمطالب الثوار وهم فئة قليلة من الأمة، وليسوا من أهل الحل والعقد، ولا من رجالات الإسلام، وفقهاء الشريعة ستكون لها آثار خطيرة على مسيرة الأمة، وهيبة الخلافة، وعلاقة الراعي بالرعية، وكان ثمن دفع هذه الآثار السيئة أن دفع الخليفة حياته، وهو يعلم بمصيره ويستسلم له وهو أمر ثقيل على النفس، ولكنه قدم مصالح الأمة على مصلحته الشخصية.
مما يكشف عن قوة وعزيمة وشجاعة، ويرد به على تلك التهم التي وجهت إليه من ضعف في هذه الصفات.
فإنه رضي الله عنه كان قادراً -بإذن الله- على كبح الفتنة، ولكنه قدّر حدوث مفاسد أعظم من مصلحة كبحها، فأعرض عن ذلك درءاً لها؛ وبذلك يعلم خطأ من قال بأن قتل عثمان: "لا يوصف بأكثر من أنه