خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
فإن هذا التاريخ، تاريخٌ سليم من الشذوذ، والأمراض الاجتماعية، والفكرية، ومن الأهواء والتطرف.
هذا هو طابعه العام، أما ما وقع في أواخر هذه الفترة، من فتن وحروب، فعلى فرض صحة ما صورته الروايات التاريخية، فإنه لا يعمم الحكم عليها، مع أنه قد أدخل فيها الكثير من الدس، والتحريف، ثم أبرز وأشيع.
فشاعت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وموقعة الجمل، وصفين، والتحكيم، شيوعاً أعظم مما كان فيها من مواضع القدوة، وما كان فيها من العدل والإنصاف، والمثل العليا في تحقيقها، وأكثر مما كان من قصص أولئك المؤمنين الصادقين الأبرار، مما يبين قوة إيمانهم، ويقينهم، وتعلقهم بخالقهم، مما يزيد الإيمان ويحسن الاقتداء بهم (١).
لقد طغت شهرة هذه الفتن، على هذه المعاني السامية، من حيث الانتشار، فلا يكاد يعلم الكثيرون عن هذه الفترة إلا الفتن التي حدثت في آخرها.
(١) من ذلك رفض عثمان -رضي الله عنه - قتال المحاصرين، كما سيأتي، وما في ذلك من إيثار وتقديم لمصالح الأمة على مصالحه الشخصية، فإن فيه دلالات قوية على قوة إيمانه -رضي الله عنه- وتعلقه بربه، واستحضاره للحياة الآخرة.