للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنْ يفعلَ ما لا يَسْتصوِبُ فِعْلَه، فإِذا رُوجع فيه تنبَّه وعرَفَ الخطأَ وإِمّا لأَنه جوَّزَ وجودَ أمرٍ لا يُوجَدُ مثلُه، فإِذا ثبت على تجويزه قبح على نفسه١، وقيلَ له: "فأَرِناهُ في موضعٍ وفي حالٍ، وأقِمْ شاهداً على أنَّه كان في وقْت".

ولو كانَ يكونُ للإِنكار، وكان المعنى فيه مِنْ بَدْء الأمر٢، لكان يَنْبغي أَنْ لا يَجيءَ فيما لا يَقولُ عاقلٌ إنه يكونُ، حتى يُنْكَرَ عليه، كَقَولهم: "أَتصعدُ إِلى السماء؟ "، "أتستطيعُ أن تَنْقلَ الجبالَ؟ "، "أَإِلى رَدِّ ما مضَى سبيلٌ؟ ".

١١١ - وإذْ قد عرفْتَ ذلك، فإِنَّه لا يُقرِّر بالمُحال، وبما لا يقولُ أَحدٌ إِنه يكونُ، إلاَّ على سبيلِ التمثيلِ، وعلى أنْ يُقالَ له: "إنَّكَ في دَعْواك ما ادَّعَيْتَ بمنزلةِ مَنْ يَدَّعي هذا المُحال، وإنكَ في طَمَعك في الذي طمعْتَ فيه بمنزلةِ مَنْ يَطْمعُ في الممتنع".

١١٢ - وإِذ قد عَرَفْتَ هذا، فَمِمَّا هو مِنْ هذا الضربِ قولُه تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} [الزخرف: ٤٠]، ليس سماع الصُّم مما يدَّعيه أَحدٌ فيكون ذلك للإِنكار٣، وإِنَّما المعنى فيه التمثيلُ والتَّشبيهُ، وأَنْ يُنْزَّل الذي يُظَنُّ بهم أنهم يَسْمعون، أو أنه يستطيعُ إسماعِهم، مَنْزلةَ مَنْ يَرى أنه يُسْمِعُ الصمَّ ويَهدي العُمْيَ ثمَّ المعنى في تَقديم الاسمِ وأَنْ لم يُقَلْ: "أَتُسمع الصمَّ"، هو أن يُقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أأنت خصوصًا قد أوتيت


١ في المطبوعة: "وبخ على تعنته"، وأثبت ما في المخطوطتين.
٢ في هامش "ج" ما نصه: أي: وكان الإنكار المعنى، بمعنى أنه في "كان"، ضمير الإنكار".
٣ في "س": "ليس إسماعهم مما يدعيه".