للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"كل"، وتفصيل القول فيها في النفي والإثبات، وأمثلة ذلك:

٣٢٢ - ومِنَ العَجَب في هذا المعنى قولُ أبي النجم:

قدْ أصبَحَتْ أُمُّ الخيارِ تدَّعي ... عليَّ ذَنْباً كُلُّه لَمْ أصْنَعِ١

قد حمَلَهُ الجميعُ على أنَّه أَدْخَلَ نَفْسَه مِنْ رفع "كلُّ" في شيءٍ إِنما يجوزُ عندَ الضَّرورةِ، مِنْ غيرِ أن كانت به إليه ضرورةٌ. قالوا: لأَنَّه ليس في نَصْبِ "كلّ" ما يَكْسِرُ له وَزْناً، أو يَمنَعُهُ مِنْ معنى أَرادهُ. وإِذا تأمَّلتَ وجدْتَه لم يَرتكِبْه ولم يَحْمِل نفسَه عليه إلاَّ لحاجةٍ له إِلى ذلكَ، وإلاَّ لأنَّه رأى النَّصْبَ يَمنعُه ما يريدُ. وذاك أنه أرادَ أنها تدَّعي عليه ذَنباً لم يَصْنع منه شيئاً البتَّةَ لا قليلًا ولا كثيرًا ولابعضًا ولا كُلاًّ. والنصْب يَمنعُ من هذا المعنى، ويَقْتضي أن يكونَ قد أتى منَ الذنبِ الذي ادَّعته بعْضَه.

وذلك أنَّا إِذا تأملْنا وجَدْنا إِعمالَ الفِعلِ في "كل" والفعلُ منفيٌّ، لا يَصْلُحُ أن يكونَ إلاَّ حيثُ يُراد بعضاً كان وبعضاً لم يكن. تقولُ: "لم ألق كل القوم"، و "لم آخذْ كلَّ الدراهم"، فيكونُ المعنى أنك لقِيتَ بعضاً من القومِ ولم تَلْقَ الجميعَ، وأخذْتَ بعضَاً من الدراهمِ وتركْتَ الباقي ولا يكونُ أَنْ تريدَ أنك لم تَلْقَ واحداً من القوم، ولم تأخذ شيئًا من الدارهم.

وتعرَّفْ ذلك بأن تَنْظرَ إِلى "كل" في الإِثبات وتتعرفَ فائدتَه فيه.

وإِذا نظرتَ وجدتَهُ قد اجْتُلِبَ لأنْ يُفيدَ الشُّمولَ في الفعلِ الذي تُسْنِدُه إِلى الجملةِ أو تُوقِعُه بها.

تفسيرُ ذلك، أنكَ إِنما قلْتَ: "جاءني القومُ كلُّهم"، لأنكَ لو قُلْتَ: "جاءَني القومُ" وسكَتَّ، لكانَ يَجوزُ أن يَتوهَّم السامعُ أنه قد تخلَّفَ عنكَ


١ في المجموع من شعره، وهو في سيبويه ١: ٤٤، ٦٩، وسائر كتب النحاة وكتب ضرورة الشعر.