بَعضُهم، إلاَّ أنكَ لم تعتدَّ بهم، أو أنَّكَ جَعَلْتَ الفعلَ إِذا وقَعَ مِن بَعْضِ القومِ فكأنَّما وَقَعَ منَ الجميع، لِكَوْنهم في حُكْمِ الشخصِ الواحدِ، كما يقالُ للقبيلة:"فعلْتُم وصنعْتُم"، يُرادُ فِعْل قد كانَ مِنْ بَعْضِهم أوْ واحدٍ منهم. وهكذا الحُكْم أبداً.
فإذا قلت:"رأيت القوم كلهم" و "مررت بالقومِ كلِّهم"، كُنْتَ قد جئتَ "بكلٍّ" لئلاَّ يُتَوهَّمَ أنه قد بَقِيَ عليكَ مَنْ لم تَرَهُ ولم تَمُرَّ به.
وينبغي أن يُعْلَم أنَّا لا نَعْني بقولنا "يفيدُ الشُّمولَ"، أنَّ سبيلَه في ذلك سبيلُ الشيءِ يُوجِبُ المعنى مِن أصْله، وأنه لولا مكانُ "كلّ" لَمَا عُقِلَ الشُّمولُ ولم يكنْ فيما سَبَق مِن اللفظِ دليلٌ عليه. كيفَ؟ ولو كانَ كذلكَ لم يكنْ يُسمَّى "تأكيداً". فالمعنى أنه يمنعُ أن يكونَ اللفظُ المقتضِي الشُّمولَ مستعمَلاً على خلافِ ظاهرِه ومتجوَّزاً فيه.
٣٢٣ - وإِذ قد عرفت ذلك، فههنا أصْلٌ، وهو أَنَّه مِن حُكْم النفي إِذا دَخل على كلامٍ، ثُمَّ كان في ذلكَ الكلام تقييد على وجهه من الوجوهِ، أن يتوجَّه إِلى ذلكَ التقييدُ، وأن يقعَ له خصوصاً.
تفسيرُ ذلك: أنَّك إِذا قلتَ: "أتاني القومُ مجتمِعينَ"، فقالَ قائلٌ:"لم يأْتكِ القومُ مجتمعين"، كانَ نَفْيُه ذلك متوجِّهاً إِلى الاجتماعِ الذي هو تقييدٌ في الإِتيان دونَ الإِتيان نفْسِه، حتى إنَّه إنْ أرادَ أنْ ينفيَ الإِتيانَ مِنْ أصلهِ، كان مِنْ سَبيله أن يقولَ:"إنَّهم لم يأْتوكَ أصْلاً، فما مَعْنى قولِكَ: مجتمعين". هذا مما لا يَشُكُّ فيه عاقلٌ.