للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإِذا كانَ هذا حكْمُ النفي إِذا دَخَلَ على كلامٍ فيه تقييدٌ، فإنَّ التأكيدَ ضربٌ منَ التقييدِ. فَمتى نَفَيْتَ كلاماً فيهِ تأكيدٌ، فإنَّ نَفْيكَ ذلكَ يتوجَّه إلى التأكيدِ خصوصاً ويَقَعُ له. فإِذا قلتَ: "لم أرَ القومَ كلَّهم" أوْ "لَمْ يأتِني القومُ كلُّهم" أوْ "لم يأتِني كلُّ القومِ" أو "لَمْ أَرَ كلَّ القومِ"، كنتَ عمدْتَ بنَفْيِكَ إِلى معنى" كل" خاصة، وكانَ حكْمُه حُكْمَ "مجتمعين" في قولِكَ: "لم يأتِني القومُ مجتمعين" وإِذا كان النفيُ يَقَعُ "لكلِّ" خصوصاً، فواجبٌ إِذا قلتَ: "لم أتني القومُ كلُّهم" أوْ "لم يأتِني كلُّ القومِ"، أَنْ يكونَ قد أتاكَ بعضُهم كما يجبُ إِذا قلتَ: "لم يأتني القومُ مجتمعين"، أنْ يكونوا قد أتوك أشاتًا. وكما يستحيلُ أن تقولَ: "لم يأتني القومُ مجتمعينَ"، وأنتَ تُريد أنهم لم يأتوكَ أصْلاً لا مجتمعين ولا منفردين كذلك محالٌ أنْ تقول: "لا يأتِني القومُ كلُّهُمْ"، وأنتَ تريدُ أنَّهم لم يأتوك أصْلاً، فاعرفْه.

٣٢٤ - واعلمْ أَنَّك إِذا نظرْتَ وجَدْتَ الإثباتَ كالنَفْي فيما ذكرتُ لكَ، ووجدتَ النفيَ قد احتذاهُ فيه وتَبِعَه، وذلك أنك إِذا قلتَ: "جاءني القومُ كلُّهم"، كان "كُلّ" فائدةَ خبرِك هذا، والذي يتوجَّه إِليه إثباتُك، بدلالةِ أنَّ المعنى على أنَّ الشكَّ لم يقَعْ في نفسِ المجيءِ أنه كانَ من القومِ على الجملةِ، وإِنَّما وَقعَ في شُموله "الكل"، وذلك الذي عناكَ أمرُه مِن كلامِكَ.

٣٢٥ - وجملةُ الأَمْرِ أَنَّه ما مِنْ كلامٍ كانَ فيه أمرٌ زائدٌ على مجرَّدِ إثباتِ المعنى للشيء، إلاَّ كان الغرضَ الخاصَّ من الكلام، والذي يُقْصَد إِليه ويزْجى القولُ فيه. فإذا قلت: "جاءني زيد راكبًا"، و "ما جاءني زيدٌ راكباً" كنتَ قد وضعْتَ كلامَكَ لأن نثبت مجيئه راكبًا او ننفي ذلك، لا لأن تُثْبِتَ المجيءَ وتنْفِيَه مطلقاً. هذا ما لا سبيلَ إِلى الشَّكَّ فيه.