للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى عَلَى نفْي أن يَعْدُوَ أحدٌ منَ الناسِ حِمَامَه، بلا شُبْهة. ولو قلتَ: "فكيفَ وليس يعدو كلُّ حِمامَه": فأَخَّرْتَ "كلاّ"، لأفسدتَ المعنى، وصرْتَ كأنكَ تقولُ: "إنَّ منَ الناس من يسمل من الحمام ويبقى خالد ًا لا يموت".

٣٢٩ - ومثله قول دعبل:

فواللهِ ما أَدري بأيِّ سِهامِهَا ... رَمَتني وكلٌّ عندنا ليس بالمكدي

أبا الجيد أمْ مَجْرى الوِشاحِ، وإنني ... لأُنْهِمُ عَينَيها مع الفاحِِمِ الجَعْدِ١

المَعْنى عَلَى نَفْي أن يكونَ في سِهامها مُكْدٍ على وجهٍ منَ الوجوهِ.

٣٣٠ - ومن البَيِّنِ في ذلك ما جاء في حديث ذي اليدين حين قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "أقَصُرَتِ الصلاةُ أم نَسِيْتَ يا رسولَ الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ ذلك لم يَكُنْ". فقال ذو اليدين: بَعْضُ ذلكَ قَدْ كان"٢، المعنى لا محالَة على نفي


١ هو في المجموع من شعره، و "المدي" الذي يخيب، ولا يصيب هدفه. وقوله: "لأنهم"، أي أنهم عينها، واعلم أن التاء في "التهمة" مبدلة من الواو، فقولهم: "تهمة" أصلها "وهمة"، ولكنهم في هذا الفعل أجروا التاء المبدلة مجرى الصل، فقالوا: "أتهمه إتهامًا"، ويقال أيضًا "أوهمه" بمعنى ابتهمه، على الأصل.
٢ حديث ذي اليدين في السهور في الصلاة، مذكور في دواوين السنة من طريق "محمد بن سيرين عن أبي هريرة"، وليس فيه هذا اللفظ، ولكنه جاء في صحيح مسلم، في كتاب المساجد، "باب السهو في الصلاة والسجود"، من حديث أبي سفيان مولى بن أبي أحمد قال: سمعت أبا هريرة، ولفظه: "كلُّ ذلك لم يَكُنْ! " فقال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك"، وهو عند أحمد في المسند٢: ٤٦٠ "المطبوعة الأولى" وقال: "عن عبد الرحمن مولى ابن أبي أحمد، قال: سمعت أبا هريرة"، وفيه: "قال: "كل ذلك لم يكن"، فقال ذو اليدين: قد كان ذلك يا رسول الله"، وهو عند أبي داود في سننه، في كتاب الصلاة، "باب السهو في السجدتين" من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وفيه "قال: "كل ذلك لم أفعل". فقال الناس: قد فعلت".
يقول أبو فهر: قوله هنا "بعض ذلك قد كان"، وقولهم في حديث مسلم: "قد كان بعض ذلك"، يعني أنه قد كان السهو: لا قصر الصلاة. وكذلك ما جاءني في حديث أحمد قول ذي اليدين: "قد كان ذلك يا رسول الله"، وما جاء في حديث أبي داود: "فقال الناس: قد فعلت"، يعنون به السهو بلا شك، لا قصر الصلاة.