الأَمرين جميعاً، وعلى أنه عليه السلامُ أرادَ أنه لم يكنْ واحدٌ منهما، لا القِصَرُ ولا النِّسْيانُ. ولو قِيلَ:"لَمْ يكنْ كلُّ ذلك"، لكانَ المعنى أنه قد كانَ بعضُه.
٣٣١ - واعلمْ أنَّه لمَّا كانَ المعنى مع إِعمال الفعلِ المِنفيِّ في "كل" نحوُ: "لمْ يأتِني القوم كلهم" و "لم أرَ القومَ كلَّهم"، على أنَّ الفعلَ قد كانَ مِن البعضِ، ووَقَع على البعضِ، قلتَ:"لم يأتِني القومُ كلُّهم، ولكنْ أتاني بعضُهم" و "لم أرَ القومَ كلَّهم، ولكنْ رأيتُ بعضَهم" فأثبتَّ بعد ما نَفَيْتَ، ولا يكونُ ذلك معَ رَفْع "كلّ" بالابتداءِ. فلو قلتَ:"كلُّهم لم يأتني، ولكن أتاني بعضهم" و "كل ذلك لم يكُنْ، ولكنْ كان بعضُ ذلك"، لم يَجُزْ، لأنَّه يؤدِّي إلى التناقُضِ، وهو أنْ تقولَ:"لم يأتِني واحدٌ منهم، ولكنْ أتاني بعضُهم".
٣٣٢ - واعْلمْ أنَّه ليس التأثيرُ لِما ذكَرْنا من إِعمالِ الفعلِ وتَرْك إِعمالِه على الحقيقةِ، وإِنَّما التأثيرُ لأَمرٍ آخَر، وهو دخولُ "كل" في حيِّز النَّفْي، وأن لا يَدْخُل فيه. وإِنما علَّقْنا الحكْم في البيتِ وسائرِ ما مَضى بإِعمالِ الفعلِ وتركَ إِعمالِه١، من حيثُ كان إعمالُه فيه يقتضي دخولَه في حيِّز النفي، وتَرْكُ إعمالهِ يُوجبُ خروجَه منه، من حيثُ كان الحرفُ النافي في البيتِ حرفاً لا ينفصِلُ عن الفعلِ، وهو "لم" لا أنَّ كَوْنَهُ مَعْمولاً للفعل وغير معمول،