للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرادَ، كما لا يخفى، أنْ يُثْبِتَ هذه المعاني والأوصافَ خلالاً للمدوح وضرائبَ فيه١، فتركَ أنْ يُصرَّحَ فيقولَ: "إنَّ السماحةَ والمروءةَ والندى لمجموعةٌ في ابنِ الحَشْرج، أو مقصورةٌ عليه، أو مختصَّة به"، وما شاكَلَ ذلك مما هو صريحٌ في إثباتِ الأوصافِ للمذكورين بها، وعدَلَ إِلى ما تَرى مَن الكناية والتَّلويح، فجعل كونَها في القُبَّة المضروبةِ عليه، عبارةً عن كونها فيه، وإِشارةً إِليه، فخرَجَ كلامُه بذلك إِلى ما خَرَجَ إِليه منَ الجَزالةِ، وظهرَ فيه ما أنت تَرى منَ الفخَامة، ولو أنه أَسْقَط هذه الواسِطَة من البَيْن، لما كان إِلاَّ كلاماً غُفْلاً، وحديثاً ساذَجاً.

٣٦٤ - فهذه الصنعةُ في طريقِ الإثباتِ، هي نظيرُ الصنعةِ في المعاني، إِذا جاءتْ كناياتٍ عن معانٍ آخَر، نحو قوله:

وما يَكُ فيِّ مِنْ عيبٍ فإنِّي ... جبانُ الكلبِ مهزولُ الفَصيل٢

فكما أَنَّه إِنَّما كان مِنْ فاخرِ الشِّعر، وممَّا يقَعُ في الاختيار٣، لأجل أنه أَرادَ أنْ يذْكُرَ نفسَه بالقرى والضيافةِ، فكنَّى عن ذلك بجُبْنِ الكَلْب وهُزالِ الفصيلِ، وتَرَكَ أن يُصرِّحَ فيقولَ: "قد عُرِفَ أنَّ جَنابِي مألوف، وكلبي


١ "الضرائب" جمع "ضريبة". وهي الخليقة والسجية والطبيعة.
٢ غير منسوب، في شرح الحماسة للتبريزي ٤: ٩٣، والحيوان ١: ٣٨٤، وهو بيت عائر، إلا ثاني له، وقد سلف شطره في رقم: ٣٠٦.
٣ يعني اختيار أبي تمام له في الحماسة.