للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنْ كان يَكونُ القصْدُ منه إثباتَ الجودِ والمجدِ للممدوحِ، فإِنَّه لا يَصِحُّ أنْ يقالَ إِنه نظيرٌ لبيتَ "زيادٍ" كما قلنا ذاك في بيتِ أبي نواس:

ولكنْ يصَيرُ الجودُ حيثُ يصَيرُ

وغيرِه مما ذكَرْنا أنه نظيرٌ له كما أنه لا يجوزُ أن يُجْعَل قَولُه:

وكلبُكَ أرافُ بالزائرينَ١

مثلاً، نظيراً لقوله:

مهزولُ الفصيل٢

وإنْ كان الغَرضُ منهما جميعاً الوصفَ بالقِرى والضيافةِ، وكانا جميعاً كنايتين عن معنى واحدٍ، لأنَّ تعاقُبَ الكناياتِ على المعنى الواحدِ لا يُوجِبُ تَناسُبَها، لأنه في عَرُوض أنْ تَتَّفِقَ الأشعارُ الكثيرةٌ في كونها مَدْحاً بالشجاعة مَثَلاً أو بالجودِ أو ما أشبه ذلك.

كيف تختلف "الكنايتان"، فلا تكون إحداهما نظيرا للأخرى:

٣٦٩ - وقد يَجْتمِعُ في البيت الواحدِ كنَايتانِ، المغْزى منهما شيءٌ واحدٌ، ثم لا تكونُ إِحداهما في حكْم النظيرِ للأُخرى. مثالُ ذلك أنه لا يكون قوله: "جبان الكلب" نظير لقوله: "مهزولُ الفصيل"، بل كلُّ واحدةٍ من هاتينِ الكنايَتْينِ أَصْلٌ بنفسِه، وجنسٌ على حدة، وكذلك قولِ ابن هَرْمَةَ:

لا أُمْتِع العُوذَ بالفصال ولا ... أَبْتاعُ إلا قريبةَ الأَجَلِ٣

ليس إحدى كنايتَيْه في حُكْمِ النظيرِ للأخرى، وإن كانَ المكنى بهما عنه واحدًا، فاعرفه.


١ انظر رقم: ٣٦٥، والتعليق عليك هناك.
٢ انظر رقم: ٣٦٤.
٣ انظر ما سلف رقم: ٣١١، ٣٦٥.