"العلماءُ" فقيلَ: "إنَّما يخشَى العلماءُ اللهَ"، لصارَ المعنى على ضدِّ ما هو عليه الآن، ولصارَ الغرَضُ بيانَ المَخْشيِّ مَنْ هو، والإخبارُ بأنه اللهُ تعالى دونَ غيرِه، ولم يَجِبْ حينئذٍ أن تكونَ الخَشْيَةُ مِنَ الله تعالى مقصورةً على العلماءِ، وأن يكونوا مَخْصوصين بها كما هو الغرضُ في الآية، بل كان يكونُ المعنى أنَّ غيرَ العلماء يَخشَوْن اللهَ تعالى أيضاً، إلاَّ أَنَّهم مع خَشْيتهم اللهَ تعالى يخشَوْنَ معه غيرَه، والعلماءُ لا يَخْشَونَ غيرَ الله تعالى.
وهذا المعنى وإنْ كانَ قد جاءَ في التنزيلِ في غيرِ هذه الآية كقولهِ تعالى:{وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب: ٢٩]، فليس هو الغرضَ في الآية، ولا اللفظُ بمُحْتملِ له البتَّة. ومَنْ أجازَ حَمْلَها عليه، كان قد أبطَلَ فائدةَ التقديمِ، وسوَّى بينَ قولِه تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وبينَ أنْ يُقالَ:"إنما يخشَى العلماءُ اللهَ"، وإذا سوَّى بينهُما، لَزمَه أن يسوِّيَ بين قولِنا:"ما ضَرَبَ زيداً إلا عمرو" وبينَ: "ما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً"، وذلك ما لا شُبْهَةَ في آمتناعه.
"ما" و"إلا" وتقديم المفعول في الجملة وتأخيره، وأن الاختصاصَ مع "إلاَّ" يقعُ في الذي تؤخِّرُهُ:
٤٠١ - فهذه هي المسئلة، وإذ قد عرفتها فالأمر فيما بين: أن الكلام "بما" و "إلا" قد يكونُ في معنى الكلامِ "بإنما"، ألا تَرى إلى وضوحِ الصورةِ في قولك:"ما ضرب زيدًا إلا عمرو" و "ما ضرب عمرو إلا زيداً"، أنه في الأولِ لبيانِ مَن الضارب، وفي الثاني لبيان منالمضروب، وإن كانا تكلُّفاً أن تَحْمِله على نفْي الشركةِ، فتريدُ "بما ضرَب زيداً إلاَّ عمرو" أَنه لم يضرِبْهُ اثنان، و "بما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً"، أنه لم يَضْرِب اثنين.
٤٠٢ - ثم اعلمْ أنَّ السببَ في أنْ لم يكنْ تقديمُ المفعولِ في هذا