٤٠٨ - واعلم أنه إذا كان الكلام "بما" و "إلا" كان الذي ذكرتُه مِنْ أنَّ الاختصاصَ يكونُ في الخبر إنْ لم تقدِّمْه، وفي المبتدأ إنْ قدَّمْتَ الخبرَ أوضحَ وأَبْيَنَ١، تقولُ:"ما زيدٌ إلاَّ قائمٌ"، فيكون المعنى أنَّكَ اختَصَصْتَ "القيامَ" من بينِ الأوصافِ التي يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها بجَعْله صفةً له. وتقول:"ما قائم إلا زيد"، يكون المعنى أنك اختصصت زيدًا بكونه موصوفاً بالقيام. فقد قَصْرتَ في الأول الصفةَ على الموصوفِ، وفي الثاني الموصوف على الصفة.
٤٠٩ - واعلمْ أَنَّ قولَنا في الخبرِ إذا أُخِّر نحو:"ما زيدٌ إلاَّ قائم"، أَنك اختصصْتَ القيامَ من بينِ الأوصافِ التي يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها، ونفَيْتَ ما عدا القيامَ عنه، فإنما تعني أنك نفَيْتَ عنه الأوصافَ التي تُنَافي القيامَ، نحو أنْ يكونَ "جالساً" أو "مضطجعاً" أو "متكئًا" أو ما شاكل ذلك ولم ترد أنك نفَيْتَ ما ليس مِنَ القيامِ بسبيلٍ، إذا لسنا نَنْفي عنه بقَوْلِنا:"ما هوَ إِلاّ قائم" أن يكونَ "أسودَ" أو "أبيضَ" أو طويلاً" أو "قصيراً" أو "عالِماً" أو "جاهِلاً"، كما أنا إأذا قلنا: "ما قائم إلا زيد"، لم يرد أنه ليس في الدنيا قائمٌ سِواهُ، وإِنَّما نَعْني ما قائمٌ حيثُ نحن، وَبِحَضْرَتِنا، وما أشبه ذلك.
٤١٠ - واعلم أن الأمرين في قولِنا: "ما زيدٌ إلاَّ قائم"، أنْ ليس المعنى على نفْي الشركةِ، ولكنْ على نفي أن لا يكون المذكور، ويكون بذله شيءٌ آخر. أَلا ترى أنْ ليس المَعنى أنه ليس له معَ "القيامِ" صفةٌ أخرى، بلِ المعنى أَنْ ليس له بدَلَ القيام صفةٌ ليستْ بالقيام، وأنْ ليس القيامُ، منفياً عنه، وكائنًا مكانه فيه "القعود" أو "لاضطجاع" أو نحوهما.