للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حين قالوا: "تطلب المزية"١، ظنوا أن موضعَها "اللفظُ" بناءً على أنَّ "النظْمَ" نظْمُ الألفاظِ، وأنه يَلْحقُها دونَ المعاني وحِينَ ظَنُّوا أنَّ موضِعَها ذلك واعتقدُوه، وقَفوا على "اللفظِ"، وجعَلوا لا يَرْمون بأَوهامِهم إلى شيءٍ سِواهُ؛ إلاَّ أَنهمْ، على ذاكَ، لم يَسْتطيعوا أن ينطِقوا في تصحيح هذا الذي ظَنّوه بحَرْف؛ بل لم يتكلَّموا بشيءٍ إلاَّ كان ذلك نَقْضاً وإبِطالاً لأنْ يكونَ "اللفظُ" -مِنْ حيَثُ هو لفظٌ- مَوْضعاً للمزيَّةِ وإلا رأيتَهم قدِ اعتَرفُوا، من حيثُ لم يذروا، بِأنْ ليسَ لِلْمزيةِ التي طلَبوها موضِعٌ ومكانٌ تكونُ فيه، إلاَّ معاني النحوِ وأحكامِه.

وذلك أنهم قالوا: "إنَ الفصاحةَ لا تَظْهرُ في أفرادِ الكلماتِ. وإنما تَظْهرُ بالضمِّ على طريقةٍ مخصوصةٍ"٢، فقولُهم "بالضم"، لا يَصِحُّ أن يُرادَ به النطقُ باللفظةِ بعْدَ اللفظةِ، مِنْ غيرِ اتصالٍ يكونُ بين مغعنييهما؛ لأنه لو جازَ أنْ يكونَ لِمجرَّدِ ضَم اللفظِ إلى اللفظِ تأثيرٌ في الفصاحةِ، لكانَ يَنبغي إذا قيلَ: "ضَحِكَ، خَرَجَ" أنْ يَحْدُثَ في ضَمِّ "خرجَ" إلى "ضحكَ" فصاحةٌ! وإِذا بطَل ذلك، لم يَبْقَ إلا أنْ يكونَ المعنى في ضمِّ الكلمةِ إلى الكلمةِ توَخِّيَ معنًى من معاني النحو فيما بينَهُما.

وقولُهم: "على طريقةٍ مخصوصةٍ"، يُوجِبُ ذلك أيضاً؛ وذلك أَنه لا يكونُ للطريقةِ إذا أنتَ أردْتَ مجرَّدَ اللفظ معنى.


١ إنما يعني بهذا كله القاضي عبد الجبار المعتزلي، كما أشرت إليه في ص: ٣٩٢، تعليق: ٤.
٢ هذا لفظ القاضي عبد الجبار بنصه في المغني ١٦: ١٩٩، "فصل في الوجه الذي له يقع التفاضل في فصاحة الكلام".