للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا سبيلُ كلِّ ما قالوه، إِذا أنتَ تأمَّلتَهُ تَراهُمْ في الجميعِ قد دفَعوا إلى جَعْل المزية في معاني النحو وأحكامِه مِنْ حيثُ لم يَشْعروا؛ ذلك لأنه أَمرٌ ضروريٌّ لا يمكن الخروج منه.

رد قول عبد الجبار المعتزلي: "إنَّ المعاني لا تَتزايد؛ وإِنما تتزايدُ الألفاظُ"

٤٦٦ - ومما تَجِدُهم يَعْتمِدونَه ويرجعِونَ إليه قولُهم: "إنَّ المعاني لا تتزايدُ؛ وإنَّما تَتزايدُ الألفاظُ"١، وهذا كلامٌ إذا تأملْتَه لم تَجِدْ له معنًى يَصِحُّ عليه؛ غيرَ أنْ تَجْعلَ "تزايُدَ الألفاظِ" عبارة على المزايا التي تَحْدُثُ مِن توخِّي معاني النحوِ وأَحكامهِ فيما بينَ الكَلِم؛ لأنَّ التزايُدَ في الألفاظِ من حيثُ هي ألفاظٌ ونُطْقُ لسانٍ، مُحالٌ.

٤٦٧ - ثم إنَّا نَعْلمُ أَنَّ المزيةَ المطلوبةَ في هذا البابِ، مزيةٌ فيما طريقُهُ الفكْرُ والنظَرُ مِن غَيرِ شُبْهة. ومحالٌ أَنْ يكونَ اللفظُ له صفةٌ تُسْتَنْبَطُ بالفِكْرِ، ويُسْتعانُ عليها بالرويَّة، أللهمَّ إلاَّ أنْ تُريد تأليفَ النغَمِ. وليس ذلك ممَّا نحنُ فيه بسبيلٍ.

ومِنْ ههنا لم يَجُزْ، إذا عُدَّ الوجوهُ التي تَظهر بها المزيةُ، أنْ يُعَدَّ فيها الإعرابُ؛ وذلك أنَّ العِلْم بالإِعرابِ مشترَكٌ بينَ العَربِ كلِّهم، وليس هو مما يُسْتنبَط بالفكْرِ، ويُسْتعانُ عليه بالرويَّة؛ فليسَ أحدُهم، بأنَّ إعرابَ الفاعل الرفعُ أو المفعولِ النصبُ، والمضاف إليه الجرُّ، بأعلم من غيره ولا ذاك مما يَحتاجون فيه إلى حِدَّةِ ذهنٍ وقوةِ خاطرِ٢، إنما الذي تقَعُ الحاجةُ فيه إلى ذلك،


١ هذا أيضًا قول القاضي عبد الجبار المعتزلي في المغني: ١٦: ١٩٩، وقد مضى آنفًا رقم: ٥٥، تعليق: ٢، وص: ٣٩٢، تعليق: ٤، وص ٣٩٤، تعليق: ٢.
٢ في المطبوعة: "ولا ذاك المفعولُ به مما يَحتاجون فيه" زيادة لإفساد الكلام لا غير.