للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلمِ بما يُوجِبُ الفاعليةَ للشيءِ إذا كان إيجابُها من طريقِ المجازِ، كقولهِ تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُم} [البقرة: ١٦]، وكقولِ الفرزْدق:

سقْتها خروقٌ في المسامِعِ١

وأشباهِ ذلِكَ، مما يَجعلُ الشيءَ فيه فاعلاً على تأويلٍ يَدقُّ، ومن طريقٍ تَلْطُفُ، وليس يكونُ هذا علماً بالإِعراب، ولكن بالوصْفِ الموجبِ للإِعراب.

ومن ثَمَّ لا يجوزُ لنا أنْ نَعْتدَّ في شأنِنا هذا بأنْ يكونَ المتكلِّمُ قد اسْتَعملَ من اللغتين في الشيءِ ما يقالُ: "إنه أفصحهما"، أو بأن يكونَ قد تَحفَّظ مما تخطئ فيه العامَّة، ولا بأن يكونَ قد استعْمَلَ الغريبَ؛ لأنَّ العلمَ بجميع ذلك لا يعدو أن يكونَ عِلْماً باللغةِ، وبأَنْفُس الكَلِمِ المفردة، وبما طريقُهُ طريقُ الحِفْظِ، دونَ ما يُستَعانُ عليه بالنظَرِ، ويُوصَلُ إليه بإعمالِ الفِكْر، ولئن كانتِ العامَّةُ وأشباهُ العامَّةِ لا يكادونَ يعرِفونَ الفصاحةَ غيرَ ذلك؛ فإنَّ مِن ضَعْف النَّحيزَة إِخطارَ مثْلِه في الفكْرِ٢، وإجراءَه في الذكْرِ، وأنتَ تزعمُ أَنكَ ناظرٌ في دلائلِ الإعجازِ. أترَى أنَّ العَرب تُحُدُّوا أن يَختاروا الفَتْحَ في الميمِ من "الشَّمَع"، والهاءِ منَ "النهْر" على الإسْكان وأنْ يتحفَّظوا مِن تخليطِ العامَّة في مثْلِ: "هذا يَسْوَى أَلفا"٣ أو إلى أنْ يأْتوا بالغريبِ الوحشيِّ في كلام يعارِضون به القرآنَ؟ ٤ كيفَ؟ وأنتَ تقرَأُ السورةَ من السور الطوال فلا


١ مضى في الفقرة رقم: ٣٤٧، بتمامه.
٢ "النحيزة"، الطبيعة المغروزة في الإنسان.
٣ لأن صوابه "هذا يساوي ألفًا".
٤ في "ج" والمطبوعة: "في الكلام" بالتعريف.