للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النظر في "الكناية":

٥٠٦ - وإذْ قد عرفْتَ هذه الجملةَ، فينبغي أنْ تنظر إلى هذ هالمعاني واحداً واحداً، وتعْرِفَ مَحْصولَها وحقائقَها، وأنْ تَنظُرَ أولاً إِلى "الكنايةِ"، وإِذا نظرْتَ إِليها وجدْتَ حقيقتهَا ومحْصولَ أمرِها أَنها إثباتٌ لِمعنىً، أنتَ تَعْرِفُ ذلك المعنى مِنْ طريقِ المعقولِ دونَ طَريق اللفظ. ألاَ ترى أَنكَ لَمَّا نظرْتَ إلى قولهم: "هو كثيرُ رَمادِ القِدْر"، وعرفْتَ منه أنَّهم أرادوا أَنه كثيرُ القِرى والضِّيافة، لم تعرِفْ ذلك مِنَ اللفظِ، ولكنَّك عرفْتَه بأن رجَعْتَ إِلى نَفْسك فقلتَ: إِنه كلامٌ قد جاء عنهم في المدح، ولا معنى للمدح بكثرة الرمادِ، فليس إِلا أَنَّهم أرادوا أن يَدلُّوا بكَثرْة الرماد على أَنه تُنْصَبُ له القدورُ الكثيرةُ، ويُطْبخ فيها للقِرى والضيافةِ، وذلك لأَنه إِذا كَثُرَ الطبخُ في القدورِ كثُرَ إحراقُ الحطَبِ تَحتَها، وإِذا كثُرَ إِحراقُ الحطَبِ كَثُرَ الرمادُ لا محالة. وهكذا السبيلُ في كلِّ ما كانَ "كنايةً" فليسَ مِنْ لَفْظِ الشعر عرفتَ أنَّ ابنَ هَرْمة أرادَ بقوله:

ولا أبتاعُ إِلاَّ قريبةَ الأجَلِ١

التمدُّحَ بأنه مضيافٌ، ولكنك عرفْتَه بالنَّظرِ اللطيفِ، وبأنْ علِمْتَ أنه لا معنى للتمدُّح بِظاهرِ ما يَدُلُّ عليه اللفظُ من قُرْبِ أجَلِ ما يَشْتريهِ، فطلبْتَ له تأويلاً، فعلمْتَ أَنه أرادَ أنه يَشْتري ما يَشْتريهِ للأَضياف، فإِذا أشترى شاةً أو بعيراً، كان قد اشترى ما قد دَنا أجلهُ، لأنه يُذْبحُ ويُنْحرُ عن قَريبٍ.

النظر في "الاستعارة":

٥٠٧ - وإذا قد عرفْتَ هذا في "الكناية"، "فالاستعارةُ" في هذه القضية٢. وذاكَ أنَّ موضوعَها على أنك تثبت بها معنى لا يعرف السامع ذاك المعنى من اللفظِ، ولكنَّه يَعرفُه من معنى اللفظ.


١ مضى الشعر برقم: ٥٠٢، ص: ٤٢٦، تعليق: ١
٢ "في هذه القضية"، يعني أنه القول في "الاستعارة" مشابه للقول في "الكناية".