للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦٢٤ - واعلمْ أنه إِنما لزمهُمْ ما قُلناه، من أن يكونَ الخبرُ على وفقِِ المخبَرِ عنه أبداً، من حيثُ إِنه إِذا كان معنى الخبر عندهم، إِذا كان إِثباتاً، أنه لفظٌ موضوعٌ ليدلَّ على وجود المعنى المخَبر به من المخبر عنه أو فيه، وجبَ أن يكون كذلك أبداً، وأن لا يصحَّ أن يقالَ: "ضرب زيد"، إِلاّ إِذا كانَ الضربُ قد وُجِد من زيد. وكذلك يجبُ في النفي أن لا يصحَّ أن يقالَ: "ما ضربَ زيد"، إِلاّ إِذا كان الضربُ لم يوجد منه، لأن تجويزَ أنْ يقالَ: "ضربَ زيدٌ"، من غير أن يكون قد كان منه ضرب، وأنه يُقال: "ما ضربَ زيدٌ، وقد كانَ منه ضربٌ، يوجبُ على أصلهم إِخلاءَ اللفظ من معناه الذي وُضِعَ ليدلَّ عليه. وذلك ما لا يشك في فساده.

ولا يلزمنا ذلك على أصلِنا، لأن معنى "اللفظ" عندنا هو الحكمُ بوجودِ المخبر به من المخبر عنه أو فيه، إِذا كان الخبر إِثباتاً، والحكم بعدمِه إِذا كان نفياً، واللفظ عندنا لا ينفك من ذلك لاو يخلو منه. وذلك لأن قولنا: "ضرب" و "ما ضربَ"، يدلُّ من قولِ الكاذب على نفس ما يدل عليه من قولِ الصادق، لأنَّا إِن لم نقل ذلك، لم يخلُ من أن يزعمَ أن الكاذبَ يُخلي اللفظ من المعنى، أو يزعم أنه يجعل للفظ معنًى غيرَ ما وضع له، وكلاهما باطلٌ.

٦٢٥ - ومعلومٌ أنه لا يزالُ يدورُ في كلامِ العقلاء في وصفِ الكاذبِ: "أنّه يثبتُ ما ليس بثابتٍ، وينفي ما ليس بمنتفٍ"، والقولُ بما قالوه يؤدي إِلى أن يكونَ العُقَلاءُ قد قالوا المحالَ، من حيثُ يجب على أصلِهم أن يكونوا قد قالوا: إِن الكاذبَ يدل على وجودِ ما ليس بموجودٍ، وعلى عدمِ ما ليس بمعدومٍ. وكفى بهذا تهافُتاً وخَطَلاً، ودخولاً في اللغو من القول.