وإِذا اعتبرنا أصلنا كان تفسيرهُ: أن الكاذبَ يحكمُ بالوجود فيما ليس بموجودٍ، وبالعدم فيما ليس بمعدوم، وهو أسدُّ كلام وأحسنه.
٦٢٦ - والدليلُ على أن اللفظَ من قولِ الكاذب يدلُّ على نفس ما يدل عليه من قولِ الصادق، إنهم جعلوا خاصَّ وصفِ الخبر أنه يحتَمِل الصدقَ والكَذِبَ، فلولا أنَّ حقيقتَهُ فيهما حقيقةٌ واحدةُ، لما كانَ لحدِّهم هذا معنى، ولا يجوزُ أن يقالَ: إِن الكاذبَ يأتي بالعبارةِ على خلافِ المعبَّر عنه لأن ذلك إِنما يقال فيمن أرادَ شيئاً، ثم أتى بلفظ لا يصح للذي أراد، ولا يمكننا أن نزعمَ في الكاذب أنه أرادَ أمراً، ثم أتى بعبارةٍ لا تصلح لما أراد.
توهمهم أن "المفعول"، زيادة في الفائدة والاحتجاج لبطلانه:
٦٢٧ - ومما ينبغي أن يحصل في هذا الباب، أنهم قد أصَّلوا في "المفعولِ" وكلِّ ما زاد على جزئي الجملة، أنه يكون زيادة في الفائدة. وقد يتخيل إلى من ينظر إلى ظاهرِ هذا من كلامهم، أنهم أرادوا بذلك أنك تضمُّ بما تزيده على جزئي الجملة فائدة أخرى، وينبني عليه أن ينقطعَ على الجملة، حتى يتصوَّر أن يكون فائدة على حدة، وهو ما لا يعقل، إذا لا يتصوَّر في "زيدٍ" من قولك: "ضربتُ زيدًا"، أن يكون شيئًا برأسه، حتى تكون بتعديتك "ضربت" إليه قد ضممتَ فائدة إلى أخرى. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يعلمَ أن الحقيقة في هذا: أن الكلامَ يخرج بذكرِ "المفعول" إلى معنى غيرِ الذي كان، وأن وِزانَ الفعل قد عُدِّي إلى مفعولٍ معهُ، وقد أطلق فلم يقصدْ به إلى مفعولٍ دونَ مفعول، وزانُ الاسم المخصَّص بالصفةِ مع الاسم المتروك على شَياعه، كقولك:"جاءَني رجلٌ ظريفٌ"، مع قولك:"جاءني رجلٌ"، في أنك لستَ في ذلك كمن يضمُّ معنى إلى معنى وفائدة إلى فائدة، ولكن كمن يريد ههنا شيئاً وهناك شيئاً آخر. فإِذا قلتَ:"ضربتُ زيداً"، كان المعنى غيره إذا قلت:"ضربت" ولم تزد "زيداً".