وأخذته أم الفضل في حجرها.
(ومن أراد) أن تصدق رؤياه فليحدث الصدق ويحذر الكذب والغيبة والنميمة فإن كان صاحب الرؤيا كذاباً ويكره الكذب من غيره صدقت رؤياه وإن كذب ولم يكره الكذب من غيره لم تصدق رؤياه
ويستحب للرجل أن ينام على الوضوء لتكون رؤياه صالحة والرجل إذا كان غير عفيف يرى الرؤيا ولا يذكر شيئاً منها لضعف نيته وكثرة ذنوبه ومعاصيه وغيبته ونميمته
(وينبغي للمعبر) إذا قصت عليه الرؤيا أن يقول "خيراً رأيت وخيراً نلقاه وشراً نتوقاه خيراً لنا وشر لأعدائنا الحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك"، وأن يكتم على الناس عوراتهم ويسمع السؤال بأجمعه، ويميز بين الشريف والوضيع، ويتمهل ولا يعجل في رد الجواب، ولا يعبر الرؤيا حتى يعرف لمن هي، ويميز كل جنس وما يليق به، وليكن العابر عالماً فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش عالماً بكتاب الله تعالى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالها وما يرجى على ألسنة الناس، ولا يعبر الرؤيا في وقت الاضطرار وهي ثلاثة طلوع الشمس وغروبها وعند الزوال
وإذا سأل سائل عن رؤيا عناد ولم يكن رآها فلا يترك المعبر سؤاله بغير جواب فإنه إن كان خيراً فمصروف إلى المعبر وإن كان شراً فمصروف إلى المعاند لأنه مخزول والمجيب منصور على أعدائه كما ورد في قصة يوسف عليه السلام حين سأله الفتيان في السجن عناداً فيقال أحدهما إني أراني أعصر خمراً وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه فقال لهما يوسف عليه السلام: {أما أحدكما فيسقي ربه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}
وإن عبر المعبر رؤياه عناداً على سبيل الاعوجاج فإنه إن كان خيراً فهو للسائل وإن كان شراً فهو للمعبر
ولا يقص الرائي رؤياه إلا على عالم أو ناصح ولا يقصها على جاهل أو عدو
والرؤيا على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث وقعت
ولا يقص أحد رؤياه على معبر وفي مصره أو إقليمه معبر أحذق منه لأن فرعون يوسف لما قص رؤياه على معبري بلده فقالوا أضغاث أحلام لم تبطل رؤياه وسأل عنها يوسف عليه السلام فعبرها له فخرجت
وإذا اشتبهت الرؤيا على المعبر ولم يعرف لها تأويلاً فليأمر صاحبها إذا خرج من بيته يوم السبت أول النهار أن يسأل أي شخص يلقاه عن اسمه فإن كان اسمه حسناً كأسماء الأنبياء والصالحين فالرؤيا حسنة وإن كان غير ذلك فالرؤيا غير حسنة
ويحترز من الكذب فيها فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كذب في الرؤيا كلف يوم القيامة عقد شعيرتين ومن كذب على عينيه لا يجد رائحة الجنة وإن أعظم الفرية أن يفتري الرجل على عينيه، يقول رأيت ولم ير شيئاً"
وقال بعضهم إن الكاذب في رؤيا مدعي النبوة كاذباً لأنه ورد في الحديث كما قدمناه أن الرؤيا جزءاً من أجزاء النبوة ومدعي للجزء كمدعي الكل
(وقال بعض العلماء) ينبغي أن يعبر الرؤيا المسئول عنها على مقادير الناس ومراتبهم ومذاهبهم وأديانهم وأوقاتهم وبلدانهم وأزمنتهم وفصول سنتهم
والتعبير يكون بالمعنى وباشتقاق الأسماء
والميت في دار حق فما قاله في المنام حق وكذلك الطفل الذي لا يعرف الكذب وكذلك الدواب وسائر الحيوانات والطيور إذا تكلمت في المنام فقولها حق
وكلام الكذب في اليقظة كالمنجم والكاهن فكذلك قوله في المنام كذب
وكلام ما لم يتكلم كالجمادات آية وأعجوبة
وقد يقع التعبير بالمثل السائر واللفظ المبتذل، كقولهم في الصائغ إنه رجل كذوب، لما جرى على ألسنه الناس من قولهم فلان يصوغ الأحاديث، وكقولهم فيمن يرى أن في يديه طولاً أنه يصطنع المعروف لما جرى على ألسنة الناس من قولهم هو أطول يداً منك وأمد باعاً أي أكثر عطاء
وقد يكون التأويل بالضد والمقلوب، كقولهم في البكاء إنه فرح، وفي الضحك إنه حزن، وفي الطاعون إنه حرب، وفي الحرب أنه طاعون، وفي السيل أنه عدو، وفي العدو أنه سيل، وفي أكل التين إنه ندامة، وفي الندامة أنها أكل التين، وفي الجراد أنه جند، وفي الجند أنه جراد
(وأولى ما يكون التعبير) بالقرآن والسنة إن وجد المعبر فيهما شاهد للرؤيا، كمن يرى نفسه في السفينة فالسفينة نجاة من الخوف قال تعالى: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} ، وكمن يرى في منامه أنه وقع في بئر فإنه يمكر به لقوله عليه السلام "بئر جبار"
وقد يكون التعبير بالشعر كمن يرى غنماً ترعى فأتى الذئب عليها ففرقها وقتل بعضها فإن ذلك يدل على أن سلطان تلك الناحية يضع رعيته حتى يتولى أمرهم عدوه لقول بعض الشعراء:
ومن رعى غنما في أرض مأسدة ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
(١) [في الأصل: "وقد عبر يوسف عليه السلام وهو كافر" وهو خطأ واضح ولعله من قبل النساخ]