تكاد تكون هي المحرك له فيما كتب وقال واتخذ من مواقف. أما القضية الثانية فقد أفردها بكتاب ما يزال مخطوطا سماه (السعي المحمود في نظام الجنود) وهو الكتاب الذي يعتبر من أوائل (إن لم نقل الأول) الكتب العربية التي عالجت موضوع التجديد في النظم الإسلامية عامة والنظام العسكري خاصة، أو إذا شئت فقل عالج فيه موضوع تقليد المسلمين للأروبيين في مبتكراتهم الحديثة. وقد ناقش ابن العنابي كل ذلك في ضوء الشريعة الإسلامية من جهة وفي ضوء حاجة المجتمع الإسلامي إلى التطور من جهة أخرى، فإذا عرفنا أن ابن العنابي كان مفتي الحنفية أو شيخ الإسلام وأن وقت تأليفه للكتاب هو سنة ١٢٤٢ هـ ١٨٢٦ م) أدركنا ما للكتاب من قيمة تاريخية وحضارية، وما لآراء صاحبه من أهمية.
إن آثار ابن العنابي ما زالت لم تدرس ولم تعرف كلها. وقد تمكنا من تناول بعضها في مناسبات علمية فكتبنا بحثا عنه وعن كتابه (السعي المحمود) للندوة التي نظمها تلاميذ وأصدقاء الأستاذ الدكتور أحمد عزت عبد الكريم في جامعة عين الشمس بمصر احتفالا بمرور خمسة وعشرين عاما على إنشاء (سمنار) التاريخ الحديث سنة ١٩٧٥ وقد نشر ذلك البحث سنة ١٩٧٦ في الكتاب الذي جمع وقائع الندوة.
كما تمكنا من الاطلاع على بعض آثار ابن العنابي في تونس بفضل المساعدة القيمة التي قدمها لنا صديقنا الأستان عبد الحفيظ منصور رئيس قسم المخطوطات بالمكتبه القومية التونسية. وقد جمعنا ما وجدناه في تونس ودرسناه فإذا هو زاوية أخرى هامة من حياة وآثار ابن العنابي التي لم تعالج من قبل وبالإضافة إلى ذلك قادنا البحث إلى العثور على وثائق أخرى عنه وعن أسرته في مكتبة جامع البرواقية بولاية المدية (الجزائر) وهي بقايا مكتبة العالم الجزائري الشهير عبد القادر المجاوي. وقد تفضل إمامها الشيخ علي طوبال وابنه الشيخ فضيل طوبال فتركاني أطلع وأطالع ما في هذه المكتبة عن ابن العنابي. - وإنه لا يسعني إلا أن أغتنم هذه الفرصة فأتقدم بالشكر إلى جميع هؤلاء الذين كان رائدهم خدمة العلم والبحث.