ولاشك أن سفر المفتي كان بحرا. ورغم أن تاريخ السفر غير معروف الآن بالضبط فإنه بدون شك كان في خريف أو شتاء سنة ١٨٣٠ - ١٨٣١، لأن كلوزيل قد تولى مهمته في الجزائر خلال سبتمبر سة ١٨٣٠.
وبنفي ابن العنابي من الجزائر أسدل الستار على نشاطه فيها. فقد توجه بأسرته إلى مصر وأقام بالإسكندرية، وهناك ولاه محمد علي وظيفة الفتوى الحنفية بهذه المدينة، ولذلك نجد اسمه مقرونا بعد حادثة النفي بعبارة (مفتي ثغر الإسكندرية). والملاحظ أن بعض العائلات الجزائرية الأخرى قد هاجرت أو نفيت أيضا إلى الإسكندرية. من ذلك المفتي ابن الكبابطي، والداي حسين باشا نفسه، ومصطفى بومزراق باي التيطري السابق، والباي حسن، باي وهران السابق الخ. وقد قيل أن أسرة ابن العنابي ما تزال بالإسكندرية إلى اليوم وتعرف بأسرة الجزائرلي (٥٤).
[إجازاته وتلاميذه]
وعلى كل حال فإن ابن العنابي لم يكتب سنة ١٢٤٢ هـ كتابه (السعي المحمود) فقط بل نجده يقيم في مصر ويختلف إلى الجامع الأزهر، ويأتيه العلماء للدرس (وروما للثواب) ويقوم هو بإجازة المستجيزين وإجابة الداعين. فقد كتب (السعي المحمود) في شهر رجب من السنة المذكورة وأجاز الشيخ إبراهيم السقا خلال شهر شعبان، مما أجاز الشيخ عبد القادر الرافعي في شهر رمضان من نفس السنة أيضا. ومعنى هذا أن ابن العنابي قد تصدر لتدريس الحديث والفقه في الأزهر والتف حوله تلاميذ وعلماء.
ومما جاء في إجازته لتلميذه إبراهيم السقا ما يلي: (وقد قرأ على الشيخ الإمام الفاضل ابن الحسن إبراهيم بن علي بن حسن المعروف بالسقا. جل صحيح البخاري الى باب الاحتباء من كتاب اللباس، وسمع ذلك الشيخ الإمام
(٥٤) رسالة البوعبدلي الى المؤلف. وعن ظروفه بالإسكندرية، أنظر المدجل الجديد.