للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسبما رواها له المفتي نفسه، فيما يلي: (جاء الترجمان إلى منزل ابن العنابي وطرح عليه بعض الأسئلة تتعلق بمكانته في البلاد وخططه المستقبلة. من ذلك أن الترجمان أخبره بأن كلوزيل ينوي الجلاء عن الجزائر وتسليم الحكم له، وسأله ما إذا كانت لديه القدرة على تنظيم جيش والدفاع عن البلاد، فأجابه المفتي بأن ذلك في استطاعته إذا اقتضى الأمر. ثم سأل الترجمان هل جيشه سيكون من داخل البلاد أو من مدينة الجزائر وحدها، فأجاب المفتي بأنه سيجيش جيشا يبلغ ثلاثين ألفا من كل البلاد. وكان الترجمان قد أخفى، حسب هذه الرواية، شخصين ظلا ينصتان لهذه المحادثة. ليكونا شاهدين ضد المفتي) (٥٠).

فكم بقي ابن العنابي في السجن؟ هذا ما لا نعلمه الآن. والذي نعلمه حقا هو أن كلوزيل قد أمر بنفيه فورا (٥١)، ولم يمهله، رغم أنه كان صاحب أسرة وأطفال وأملاك وديون وغيرها مما يستوجب مهلة معقولة لتصفية هذه الأمور قبل مغادرة البلاد. وهذا الجانب الإنساني هو الذي جعل خوجة يتدخل لدى كلوزيل لصالح المفتي، رغم توجس هذا منه (٥٢) فقد رجاه أن يمهله حتى يبيع أملاكه ويصفي ديونه ويسفر أسرته. ولم يحمل له خوجة على مهلة عشرين يوما إلا بصعوبة كبيرة. وبعد انقضاء ذلك الأجل رحل ابن العنابي إلى الإسكندرية (٥٣)


(٥٠) خوجة، ص٢٦٠. اخبرني محمد بن عبد الكريم بتاريخ ٩ سبتمبر ١٩٧٦ أنه عثر على نص لكاتب من قسنطينة يعرف ابن العنابي تحدث فيه على أن المفتي كان يحرض الناس على قتال الفرنسيين ويشجعهم على حمل السلاح. ولكن ابن عبد الكريم لم يخبرني عن اسم الكتاب ولا أين عثر على النص المذكور.
(٥١) يؤكد المهدي البوعبدلي في رسالة إلى المؤلف أن المفتي كان يباشر وطيفته عند دخول الفرنسيين وأن كلوزيل قد (عزله) منها. وهذا يؤكد أهمية دور ابن العنابي في تلك الظروف.
(٥٢) يقول خوجة، ص ١٩٨، أن الواشين قد زعموا للمفتي بأن خوجة عميل للفرنسيين لأنه زار بلادهم وأعجب بحضارتهم، وأوصوه بالاحتراس منه.
(٥٣) خوجة، ص ٢٦١، ورسالة البوعبدلي، وابن عبد الكريم، ص ١٦١.

<<  <   >  >>