يعتبر ابن العنابي (١١٨٩ هـ - ١٢٦٧ م) من أوائل علماء المسلمين الذين طرحوا قضية التجديد في النظم الإسلامية أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر هجري). وهو لذلك من أوائلهم أيضا الذين طرقوا باب الاجتهاد الذي ظل مقفلا عدة قرون نتيجة التأخر العقلي الذي كان عليه العالم الإسلامي. كما عالج أيضا قضايا العصر في كتبه وفي فتاويه التي كان يصدرها طبقا لمصالح المسلمين، وفي إجازاته التي كان يمنحها لطلابه والعلماء الذين يطلبونها منه. ولم يكن ابن العنابي متفرجا على أحوال عصره، كما كان جل علماء. المسلمين في وقته، بل إنه تولى المناصب الدينية العليا (القضاء والإفتاء)، في بلاده الجزائر وفي بلاده الثانية مصر، وتولى التدريس ومنح الإجازات في مصر أيضا وفي تونس وفي الجزائر وغيرها، وسافر في مهمات سياسية إلى المغرب الأقصى وإلى اسطانبول وقابل وناقش حكام تونس ومصر، وحج وساح عدة مرات. وقد عاصر أحداثا كبيرة جرت في المشرق وفي المغرب مثل الحملة الفرنسية على مصر، وحروب الدولة العثمانية في البلقان، واصلاحات السلطان محمود الثاني، وصعود محمد علي باشا في مصر، والاحتلال الفرنسي للجزائر. ويكاد يكون لابن العنابي رأي أو موقف من كل هذه الأحداث.
ومن القضايا التي استرعت نظره بكثرة جمود عقلية علماء المسلمين امام تقدم العقل الأروبي، وتخلف الجيش الإسلامي أمام زحف الجيوش الأروبية، وقد عالج القضية الأولى في عدة مناسبات من آثاره ولم يفردها بتألف، ولكنها