للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعلم العلوم الآلية من الكفرة، (٣٦) والعنوان، أو إذا شئت، الفتوى واضحة. ولكن ابن العنابي تدرج في إصدار رأيه. فهو لم يجد آية أو حديثا صريحا عن جواز تعلم العلوم الآلية من الأوربيين، ولذلك راح يبحث في نصوص أخرى يمكنه بعدها أن (يقيس) عليها. فقد جاء أولا بأحاديث عن جواز تعلم اللغات من غير المسلمين، مثل حديث تعلم السريانية الموجه لزيد بن ثابت، لأن كتبا كانت تأتي للرسول بها، فتعلمها الصحابي في سبعة عشر يوما، كما تعلم العبرية في نصف شهر. وقد استنتج ابن العنابي من ذلك جواز تعلم الكتابة أيضا من غير المسلمين، ودل ذلك الجواز غير المشروط، في نظره، على (جواز تعلم العلوم الآلية التي لها منفعة في أمر الدين من الكفار). ولا يتوقف الأمر عند تعلم اللغات والكتابة بها من غير المسلمين بل يتعداه إلى جواز تعلم كل معارفهم إذا توقف عليها أمر من أمور الدين، لأنه إذا جاز تعلم اللغة السريانية واللغة العبرية والكتابة بهما، (فغير ذلك من معارفهم الصناعية التي لها موقع في أمر الدين، كالذي نحن فيه، بالأولى). ومن هذه المعارف أيضا الطب والحساب اللذان يعتبران من علوم فلاسفة غير المسلمين، حسب تعبير ابن العنابي. وقد اعتبر شيوخ ابن العنابي هذين العلمين فرض كفاية على المسلمين. وهذه هي عبارته في ذلك (وعن هذا ونحوه (يعني المعارف الصناعية للكفار) عد جمع من مشائخنا وغيرهم، الحساب والطب في جملة العلوم المفروضة على سبيل الكفاية، مع أنهما من علوم كفار الفلاسفة) (٣٧).

[القسم الثاني من كتاب (السعي المحمود)]

ونصل الآن إلى القسم الثاني من الكتاب، وهو الخاص (بالأمور السياسية). وقد عرف المؤلف السياسة بأنها مصدر ساس الرعية يسوسها سياسة، إذا أمر فيها ونهى. فهي، بناء على هذا التعريف، سلطة الحكم وسلوك


(٣٦) نفس المصدر، الفصل ١٦.
(٣٧) نفس المصدر، ص ٩٨.

<<  <   >  >>