للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العثمانية. فبالإضافة إلى المسألة الشرقية القديمة هناك الحروب ضد روسيا، وثورة اليونان، والثورة الوهابية، وتهديد محمد علي، وضياع الجزائر ولكن القضية التي تمس خاصة موضوع كتاب ابن العنابي هي ذلك النزاع الطويل والخطير الذي كان بين السلطان محمود الثاني وفرقة الإنكشارية، وهو النزاع الذي انتهى بالقضاء نهائيا على هذه الفرقة سنة ١٨٢٦، وهى السنة التي ألف فيها ابن العنابي كتابه. وكان مصدر ذلك النزاع هو رغبة السلطان في إدخال النظم الأوربية الحديثة على جيشه بعد الهزائم التي مني بها على يد الروس خاصة، بينما كانت فرقة الانكشارية وأنصارها يعارضون ذلك أشد المعارضة بدعوى أنه مخالف للشريعة الإسلامية.

وإذا كان السلطان ما يزال عندئد يواجه هذه المعارضة في الأخذ بالنظم الأوربية فإن محمد علي كان قد تجاوز هذه المرحلة. وبدأت تظهر النتائج الإيجابية من تقليد الأوربيين في انتصاراته الخارجية وتقدم نظامه في الداخل. ومن ثمة وجد ابن العنابي الجو ملائما له في القاهرة ليكتب كتابه ويطرح أفكاره بحرية في قضية خطيرة عندئذ، كالتي تناولها في كتابه، وهي جواز، بل وجوب، تعلم الحضارة من الأوربيين (أو الكفار كما يسميهم). ولعل ذلك يفسر لنا انتقال نسختين من كتابه إلى عاصمة الدولة العثمانية التي كانت في حاجة إلى مثل رأيه، كما يفسر لنا تكليف محمد علي للسيد إبراهيم السقا باختصار (السعي المحمود) وجعله في متناول القراء، لأنه كتاب يساير الاتجاه الذي كان هو يعمل بمقتضاه.

وقد روى ابن العنابي في مقدمة كتابه هذه الظروف بشيء من الاختصار. فالأوروبيون، في رأيه، قد نظموا جندهم ليضروا بالإسلام وأهله. وأمام هذا الخطر الداهم أصبح من المحتم على المسلمين أن يتعلموا منهم ما اخترعوه من صنائع ونظم، لأن في ذلك مصلحة عليا للدين والأمة الإسلامية فقد قال (لما حدث في هذه الأعصار الآخرة، تطاول طغاة الأمم الكافرة، بترتيب أجنادهم على طريقة محكمة ابتدعوها، وتدريبهم على فنون حيل اخترعوها، قصد

<<  <   >  >>