للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإرهابهم وإغاضة نفوسهم وإتعابهم. فكل هذه المعاني أمور شرعية، لأن فيها إذلال الكفرة وعز الإسلام، وأنه المقصود الأعظم من شرعية الجهاد). فالمؤلف هنا لا يكتفي بتقرير الحقيقة ولكنه يجتهد فيربط بين القوة ونصرة الدين وحكمة الجهاد. ثم توسع في هذا المعنى وأضاف إليه فكرته عن النظام العسكري الجديد. ولخصه في أن كل ما يفيد المسلمين ويرفع من شأن الدين فهو شرعي، ولو جاء من الأروبيين، ولو كان مبتدعا منهم غير معروف لأهل الإسلام. ونورد هنا عبارته، رغم ما فيها من حشو، إذ أن آخرها هو خبر بدايتها المفصولة بكلام طويل.

(فكل ما يفيد منفعة لها تعلق بإعزاز الدين ورفعة أهله، مما اشتمل عليه النظام المستجد للكفرة من ترتيب العساكر، وتصنيفهم، وحصر أعدادهم، وتعديد قوادهم، وعرفائهم، ولتسوية أصنافهم وكبرائهم، بخصوص لباس أو علامة، وتضيق ملابسهم، وتقصيرها، وتعيين مواقفهم وعملهم، وتخصيص كل فريق براية أو لواء، ثم تدريبهم على عمل الحرب لتعليمهم كيفية الرمي والطعن والضرب، وغير ذلك مما يقتضيه أمر الحرب من تصنيف وإغارة، واجتماع وافتراق، وإقدام وإحجام، وكر وفر، وركوب، ونزول، وظهور وكمون، وتحريض وتثبيت، ورفع صوت وخفضه، ورد منهزم، وحراسة، وغير ذلك مما قد تدعو اليه الحاجة فهو أمر مشروع) (١٥).

وكأن ابن العنابي كان يجيب بالحديث التالي سائله ويوضح له أسس الفكرة التي يدعو إليها. فهو يخاطبه بقوله إن الأروبيين إذا اخترعوا عتادا حربيا جديدا قد يضر بالمسلمين فما على هؤلاء إلا أن يتعلموه ويحذقوه، بل عليهم أن يسبقوا في ذلك أصحاب الاختراع أنفسهم. وإذا اقتضى الأمر عدم تعلم ذلك الاختراع إلا منهم وجب على المسلمين أن يتعلموه منهم ما دام ذلك في قدرتهم، لأنه لا يعقل أن يواجه المسلمون هذا الاختراع الجديد الفتاك بأسلحة بالية غير فعالة. فالتمسك بالتقاليد القديمة في هذا المجال يلحق بالمسلمين


(١٥) نفس المصدر ص ٣.

<<  <   >  >>