أي أنصاركم وأحباؤكم في الحياة الدنيا فنلهمكم الحق ونحملكم على الخير وفي الآخرة بالشفاعة والكرامة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة).
واستنتج ابن العنابي من ذلك بأن ما قد حدث لهذا الميت من تصور الشيطان بصورته يدل على أن الميت كان بعيدا عن مصاحبة الملائكة له. وأضاف بأنه قد (لا يبعد أن يكون هذا نوع من المسخ الواقع في آخر الزمان) مستدلا بحديث مروي عن أمارات الساعة التي قد يكون منها ما تحدث عنه السائل. ويهمنا أن نعرف أن ابن العنابي كان يؤمن بأن هناك أمورا قد بدأت تحدث في (آخر الزمان) وأن هذه الأمة إذا تظاهرت وتجاهرت بفظائح المنكرات ابتلاها الله تعالى بنوع من المسخ لبعض أشقيائها). وهو استنتاج لا شك مستوحى من واقع الحياة عندئذ. ففيه تعريض بأن هناك أمورا كانت تجري في المجتمع الإسلامي في عصره تعتبر من (أمارات الساعة).
وتوضح إجابات ابن العنابي على هذه الأسئلة قدرته على معالجة عدد من القضايا التي كانت تواجه المجتمع سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية أو حتى خرافية. ومن جهة أخرى تبرهن على عمق ثقافته فهو يستدل لكل قضية بالعديد من الآيات والأحاديث والوقائع في صبر وأناة، وفي منطق واستدلال، وفي توسع وتعمق، لا تكاد تظفر به إلا عند أمثاله.
ونلاحظ أن إجابته وإن كانت في ظاهرها تتناول قضايا تجريدية أو فرضية فإنه كان دائما يربطها بواقع الحياة. وقد فعل ذلك في جوابه على جواز تقليد العامي للعالم، وعلى حلية الصيد بالرصاص والرش، وعلى منع المرأة من مؤاخاة الأجنبي عنها، وعلى تجويز ربط العلاقة بين المسلم والذمي، وأخيرا في معالجته لقضية الميت المتطور في شكل شيطان في بعض البلاد. ويحس الدارس له أنه كان يعيش مشاكل المجتمع الإسلامي وأنه كان يبث أفكاره لإصلاحه عن طريق هذه الفتاوى التي ذكرنا بعضها والتي ذكر بعض الباحثين أن له من أمثالها الكثير.