للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بفتوى أخرى مستفيدا من اختلاف المذاهب الفقهية، وبذلك تعاد رؤية الدعوى أمام القضاة، وهكذا. وقد كثرت هذه الدعاوى والفتاوى كثرة أحدثت بلبلة، وكانت وسيلتها رشوة المفتيين.

وقد فكر محمد علي في ذلك، وظهر عليه الانزعاج والملل مما كان يحدث بين القضاة وأصحاب الدعاوى. فاستدعى ابن العنابي، وأمره (بتأليف كتاب يجمع فيه ما رجح من أقوال المذاهب الأربعة، ويوفق مع الأقوال قوانين السياسة. وتصير كل الأحكام عليه) وبذلك لم تعد ضرورة للاستفتاء من المذاهب الأربعة. وكان هدف محمد علي الأخذ بالقول الراجح وقطع الطريق على التلاعب بالقوانين الشرعية وتداخلها مع السياسة الوضعية التي كان يسير عليها. وأخذ ابن العنابي في تأليف الكتاب على ضوء هذه التعليمات. ويبدو أنه انتهى منه وصار معمولا به بين القضاة والمفتيين، لأن عبد الحميد بك يذكر أنه لما ولى عباس سنة ١٢٦٥ تحرك خصوم ابن العنابي الساخطين على كتابه الذي حرمهم من التعامل الحر مع أصحاب الدعاوى، وسعوا لدى الوالي الجديد في إبطال العمل بكتاب ابن العنابي. وقد حاكوا لذلك خيوطا وأقنعوا الوالي بأن العمل بالكتاب المذكور يضعف الدين الإسلامي ويؤدي إلى إزالته أصلا من الوجود، وبالغوا في الكيد لابن العنابي، فاتهموه لدى الوالي بالزندقة والخروج عن الجماعة الإسلامية (رجل خارجي). ويقول مترجم ابن العنابي (وقصدهم من ذلك ارتزاقهم من الفتاوى على الاختلاف في المذاهب. وما زالوا به حتى نقم عليه (عباس) وعزله. وولاها الشيخ محمد البنا). وهو أحد تلاميذ ابن العنابي.

واسم هذا الكتاب الذي أثار الضجة المذكورة، (صيانة الرياسة ببيان القضاء والسياسة). ولا ندري ما (الرياسة) التي يقصدها ابن العنابي، هل هي الرياسة الدنيوية أو الشرعية. والغالب على الظن أنه يقصد الأولى، أي صيانة الدولة. والظاهر أنه أنجز مهمته فألف الكتاب وأصبح معمولا به لدى من يهمهم الأمر وبإلزام من قبل محمد علي. غير أن مترجمه يشير إلى أن ابن العنابي قد

<<  <   >  >>