ويختلف الدهر، ويتبدل العسر باليسر، ويرق الزمان لفاقة المهلّبي، ويرثى لطول تحرقه، وينيله ما يرتجى، فيصير وزيرا لمعز الدولة بن بويه. ويطيع الدهر بعد عصيانه لأبي الفرج فيصبح كاتبا لركن الدولة بن بويه، قريب المنزلة منه، عظيم المكانة لديه. ولعلّ من أسباب تلك الحظوة اتفاقهما في التشيع فقد كان ركن الدولة يتعهد العلويين بالأموال الكثيرة والمنح الجزيلة «١» .
وفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة يستوزر ركن الدولة أبا الفضل بن العميد فيكون بينه وبين أبي الفرج ما يكون عادة من التحاسد والتباغض، والمصارعة النفسية، والاستباق إلى قلب ركن الدولة، ويستطيل ابن العميد على أبي الفرج ويتعاظم، ولا يلقاه بما ينبغي له من الإجلال والتعظيم أثناء دخوله وخروجه، فتثور نفسه، ويجيش صدره، ويخاطبه بقوله:
ما لك موفور فما باله ... أكسبك التيه على المعدم
ولم إذا جئت نهضنا وإن ... جئنا تطاولت ولم تتم
وإن خرجنا لم تقل مثل ما ... نقول: قدّم طرفه قدّم
إن كنت ذا علم فمن ذا الذي ... مثل الذي تعلم لم يعلم
ولست في الغارب من دولة ... ونحن من دونك في المنسم
وقد ولينا وعزلنا كما ... أنت فلم نصغر ولم نعظم
تكافأت أحوالنا كلها ... فصل على الإنصاف أو فاصرم
ويظل أبو الفرج في ظلال الوزير المهلبي مدة وزارته لمعز الدولة، وهي مدة طويلة أربت على ثلاث عشرة سنة، يسامره وينادمه ويؤاكله، ويصبر الوزير على مساوئ أبي الفرج فقد كان قذر المطعم والمشرب والملبس، لا ينضو عنه ثوبه إلّا إذا أبلت جدته الأيام، وصار خلقا لا يجمل بذي المروءة أن يلبسه ولو لم يكن سميرا لوزير، أو كاتبا لأمير.
وتجري الأيام بينهما على خير ما تجري بين صديقين أو على خير ما تجري به بين سمير ظريف، ووزير حصيف يفيض بالكرم والإنعام. ويؤتى الكرم ثماره