قلت: منعني الحسن بن صالح، وأعدت عليه بعض قوله. قال: وما فعل؟ قلت: مات، ولولا ذلك ما وصل إليك الخبر ما دام حيا. فسجد سجدة أخرى وقال: الحمد لله الذي كفاني أمره، فلقد كان أشدّ الناس عليّ، ولعلّه لو عاش لأخرج عليّ غير عيسى، سلني ما شئت فو الله لأغنينك، ولا رددتك عن شيء تريده.
قلت: والله ما لي حاجة، ولا أسألك شيئا إلّا حاجة واحدة.
قال: وما هي؟ قلت: ولد عيسى بن زيد، والله لو كنت أملك ما أعولهم به ما سألتك في أمرهم ولا جئتك بهم، ولكنهم أطفال يموتون جوعا وضرّا، وهم ضائعون، وما لهم شيء يرجعون إليه، إنما كان أبوهم يستقي الماء ويعولهم، وليس لهم الآن من يكفلهم غيري، وأنا عاجز عن ذلك وهم عندي في ضنك، وأنت أولى الناس بصيانتهم، وأحق بحمل ثقلهم، فهم لحمك ودمك، وأيتامك وأهلك.
قال: فبكى حتى جرت دموعه، ثم قال: إذا يكونون والله عندي بمنزلة ولدي، لا أوثرهم عليهم بشيء، فأحسن الله يا هذا جزاءك عني وعنهم، فلقد قضيت حق أبيهم وحقوقهم، وخففت عني ثقلا، وأهديت إليّ سرورا عظيما.
قلت: ولهم أمان الله ورسوله وأمانك، وذمتك وذمة آبائك في أنفسهم وأهليهم وأصحاب أبيهم أن لا تتبع أحدا منهم بتبعة ولا تطلبه؟.
قال: ذلك لك لوهم من أمان الله وأماني، وذمتي وذمة آبائي، فاشترط ما شئت، فاشترطت عليه واستوثقت حتى لم يبق في نفسي شيء.
ثم قال: يا حبيبي، وأي ذنب لهؤلاء وهم أطفال صغار، والله لو كان أبوهم بموضعهم حتى يأتيني أو أظفر به ما كان له عندي إلّا ما يحب، فكيف بهؤلاء، إذهب يا هذا أحسن الله جزاءك فجئني بهم، وأسألك بحقي أن تقبل مني صلة تستعين بها على معاشك.
قلت: أما هذا فلا، فإنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم.
وخرجت فجئته بهم، فضمهم إليه وأمر لهم بكسوة ومنزل وجارية