أن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أفلت من وقعة فخ «١» ومعه مولى يقال له راشد فخرج به في جملة حاج مصر وإفريقية. وكان إدريس يخدمه ويأتمر له حتى أقدمه مصر «٢» فنزلها ليلا فجلس على باب رجل من موالي بني العباس فسمع كلامهما وعرف الحجازية فيهما. فقال: أظنكما عربيين «٣» . قالا: نعم. قال:
وحجازيين. قالا: نعم. فقال له راشد: أريد أن ألقى إليك أمرنا على أن تعاهد الله أنك تعطينا خلة من خلتين: إما أن تؤوينا وتؤمننا، وإما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد.
قال: افعل: فعرفه نفسه وإدريس بن عبد الله، فآواهما وسترهما. وتهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشدا إلى الطريق وقال له: إن على الطريق مسالح ومعهم أصحاب أخبار تفتش كل من يجوز الطريق، وأخشى أن يعرف، فأنا أمضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيام، وهناك تنقطع المسالح. ففعل ذلك وخرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة ومضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس وطنجة، فأقام بها واستجابت له البربر.
وبلغ الرشيد خبره فغمه، فقال النوفلي خاصة في حديثه وخالفه علي بن إبراهيم وغيره فيه، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد، فقال: أنا أكفيك أمره. ودعا سليمان بن جرير الجزري «٤» ، وكان من متكلمي الزيدية البترية «٥» ومن أولى الرياسة فيهم، فأرغبه ووعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لإدريس حتى يقتله، ودفع إليه غانية مسمومة، فحمل ذلك وانصرف من عنده، فأخذ معه صاحبا له، وخرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس بن عبد الله فمتّ إليه بمذهبه وقال: إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي، فجئتك. فأنس به واجتباه. وكان ذا لسان وعارضة، وكان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية ويدعو إلى أهل البيت كما كان