للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشادياج علينا، فلما فرغت من الاحتياط صرت إلى عبد الله بن طاهر فأخبرته الخبر وقصصته عليه شفاها، فقال لي: لا بد من أن أنظر إليه، فصار إليّ مع المغرب وعليه قميص وسراويل ونعل ورداء، وهو متنكر، فلما نظر إلى محمد بن القاسم وثقل الحديد عليه قال لي:

ويلك يا إبراهيم، أما خفت الله في فعلك؟ أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل؟

فقلت أيها الأمير خوفك أنساني خوف الله، ووعدك الذي قدّمته إليّ أذهل عقلي عمّا سواه.

فقال لي: خفف هذا الحديد كلّه عنه، وقيده بقيد خفيف في حلقته رطل بالنيسابوري- ووزن الرطل النيسابوري مائتا درهم- وليكن عموده طويلا، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه، ومضى وتركه.

فأقام بنيسابور ثلاثة أشهر يريد بذلك أن يعمي خبره على الناس كيلا يغلب عليه لكثرة من بايعه بكور خراسان.

وكان عبد الله يخرج من إصطبله بغالا عليها القباب ليوهم الناس أنه قد أخرجه، ثم يردها حتى استتر بنيسابور سلّه في جوف الليل وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسا ووافى به الرّي، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبّة ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ، ثم يعود، إلى أن يمكنه سلّه في ليلة مظلمة، ففعل ذلك خوفا من أن يغلب عليه لكثرة من أجابه، حتى أخرجه من الري، ولم يعلم به أحد، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم.

قال إبراهيم بن غسان:

فعرضوا على محمد بن القاسم كل شيء نفيس من مال وجوهر وغير ذلك، فلم يقبل إلّا مصحفا جامعا [كان] لعبد الله بن طاهر، فلما قبله سر عبد الله بذلك وإنما قبله لأنه كان يدرس فيه.

قال: وما رأيت قط أشدّ اجتهادا منه، ولا أعف ولا أكثر ذكر الله عزّ وجلّ مع شدة نفس، واجتماع قلب، ما ظهر منه جزع ولا انكسار، ولا خضوع في الشدائد التي مرّت به، وأنهم ما رأوه قط مازحا ولا هازلا ولا ضاحكا إلّا مرة

<<  <   >  >>